في الوقت الذي كشفت فيه إحصاءات وزارة العدل في المملكة عن تزايد حالات الطلاق، والتي وصلت إلى أكثر من ثلاثة آلاف حالة العام الماضي، شكّلت قضية الطلاق "الصامت" خلال الفترة الماضية أبرز المشكلات التي تواجه المجتمع خلال الفترة المقبلة في ظل ارتفاع الحالات التي تم تسجيلها بحسب المختصين في قضايا الطلاق والتي أكدوا أنها أشد خطراً على الأسر في المملكة بسبب أنه غير معلن.
وسجلت قضايا الطلاق "الصامت" غياباً عن المحاكم الشرعية بمنطقة مكة المكرمة بسبب محاولة إخفائها من قبل "الزوج" و "الزوجة" لفترة طويلة داخل منازلهم لتشكل خطورة بالغة على مستقبل الأسرة في ظل زيادة نسبة قضايا الطلاق المعلنة التي تشهدها المحاكم.
وبحسب مصادر قضائية تحدثت لـ"الرياض"، فإن نسبة كبيرة من الخلافات الزوجية التي تؤدي إلى الطلاق الذي يخلّف مشكلات كبيرة هي الخلافات الصامتة التي تحدث بين الزوجين وتتسبب في ابتعاد الزوجين عن بعض، وتمهد الطريق لحدوث ما يسمى بالطلاق "الصامت"، والذي يستمر لأعوام عدة داخل المنازل دون حلول تذكر.
وأكدت أن محاكم الأحوال الشخصية تستقبل قضايا الطلاق بشكل عام دون تحديد بأي نوع، موضحاً أنه من خلال عقد الجلسات القضائية، والاستماع إلى أطراف الدعوى "الزوج" و "الزوجة"، يتبين أن الخلافات مستمرة بينهما منذ أعوام عدة داخل المنزل، ولم تصل إلى أروقة القضاء، أو الجهات الخيرية الاستشارية الخاصة بقضايا الطلاق والتوفيق بين الزوجين إلا في وقت متأخر.
ووصف محمد بن علي آل رضي مدير عام جمعية «المودة» الخيرية، "الطلاق الصامت "بالمشكلة الكبرى في المجتمع السعودي، مشيراً إلى انه موجود
داخل المنازل بسبب الخلاف بين الزوجين، والبقاء عليه داخل المنزل دون علاقة سواء جنسية، أو غيرها، ويتركون بعضهم البعض يعيشون حياتهم لسنوات بسبب الأبناء.
وقال لـ«الرياض»، ان الطلاق الصامت يعتبر هو المشكلة الحقيقية الذي يدمر الأبناء، ويحدث عندهم تفككا، لاسيما وأن الأب، والأم كليهما لا يعلمان أين يذهب أبناؤهما، وكيف يعيشون، مطالباً بالعمل على تلك المشكلة للمنع من تفاقمها خلال الأعوام المقبلة.
وحول علاج تلك المشكلة قبل تفاقمها، أوضح آل رضي، أن العلاج يأتي من خلال إرشاد الأسر من طريق الإرشاد الهاتفي، مشيراً إلى أن الجمعية لديها 25 مستشارا أسريا على مدار الساعة، إضافة إلى أنها خصصت 120 ساعة تدريبية من جمعية «المودة» معتمدة من قبل أشخاص مؤهلين يقدمون الخدمة بشكل يومي.
وأشار إلى أن الهاتف الأسري بجمعية المودة استقبل العام الماضي أكثر من 45 ألف مكالمة يبحثون عن استشارات، وحلول لمشكلاتهم الأسرية، مشيراً إلى أن الجمعية تقدم الاستشارة الإلكترونية، والاستشارات بالمقابلة، وغيرها من الاستشارات.
فيما أوصت سلسلة من البحوث الأسرية بضرورة تطوير، وإنشاء مركز متخصص في بحوث ودراسات الأسرة، ويعني بتجديد الوعي بالأسرة من منظور الوحي، إضافة إلى دراسة ميدانية لأحوال الأسرة في المملكة العربية السعودية الأمر الذي يمكن جمعيات الزواج، والأسرة من اتخاذ القرارات السديدة حيال الظواهر الزوجية في الأسرة.
ويعرف المختصون الطلاق "الصامت"، بأنه حالة تكونت في المجتمع خلال الفترة الماضية وهي أخطر، وأشد فتكاً على الأسرة من الطلاق، إذ أن الحالة لا يكون فيها طلاق بل يبقى عقد الزواج سارياً بين الزوجين، ويعيش كل واحد منهما منعزلاً عن الطرف الثاني في جميع مناحي الحياة.
وأرجع المختصون السبب في ذلك إلى أن تلك الأسر والمتمثلة في الزوج، والزوجة لديهما خوف كبير من إطلاق المجتمع لقب "مطلق" أو "مطلقة"، مشيرين إلى أن ذلك يعود بسبب نظرة المجتمع القاصرة للمطلقات.
أكد المحلل النفسي والمتخصص في الدراسات والقضايا الأسرية والمجتمعية الدكتور هاني الغامدي، أكثر ما تعاني منه الأسرة في السعودية هو ما يعرف بـ"الطلاق الصامت" أو البرود العاطفي، مشيراً إلى أنه يتعجب من وجود شريكين قد ربطهما الحب بأن يصل بهما الأمر إلى هذه النتيجة.
وأوضح أن هذا الأمر هو مسؤولية الطرفين فيما آلت إليه النتائج، موضحاً أنه لا يمكن أن يكون هذا الأمر وصل إلى هذه النتيجة جراء أحد الطرفين، وإنما هناك مسارات للحلول كان من المفترض أن تكون موجودة.
وأكد أن الكثير من الشركاء "الزوج" و" الزوجة" لا يعلمون ويجهلون عملية رأب الصدع في العلاقات بينهما، والحلول الأساسية منذ بداية الموضوع، فيتشدد كل منهما تجاه رأيه،مشيراً إلى أنه في حال إصرار الطرفين على رأيهما مما يؤدي إلى تفاقم الخلافات بينهما.
وأضاف أن أبرز المشكلات للطلاق الصامت هو عدم شرح الإنسان لنفسه مع هذه الحبيب " الشريك" الأساسي في بيت الزوجية من خلال التودد، والتسامح، والتجاوز مما يؤدى إلى تشنجات لا يحمد عقباها، مشيرا إلى أن هناك بعض البيوت فيها من الرجال يكون من الشخصيات الحبية مما يؤدي به الأمر إلى أن يكون نافراً، حاداً، غاضباً على كافة أفراد الأسرة وأولها "الزوجة" مما يجعل الافتراق يبدأ من البداية.
وقال الغامدي: "هناك بعض الزوجات تكون صاحبة التنازل الذي لا يكون متوازناً بمعنى أن يكون هناك ضرب، أو إهانة، وغيرها من الأمور الأخرى من السلوكيات غير المحمودة من الزوج"، مشيراً إلى أنها تقبل بهذا الأمر منذ بدايته، وبالتالي لا يتصارحون فيما بينهم ولا يجلسون لـ"جلسات المصارحة" بينهم، والتي ننادي بأن تكون موجودة دائماً داخل المنزل بحيث تعمل على تنظيف مجرى العلاقات بين الزوجين أولا بأول.
وأشار إلى أنه في حال آلت النتائج، وأصبحنا نعيش واقعاً حقيقاً في طلاق "صامت"، فيجب أن يلجأ بعد الله إلى متخصص، أو متخصصة يفهم، ويعي، ما هي الأساسيات لتلك القضية باحترافية كاملة، وبالتالي يكون هناك تذويب لهذ الجليد بين الزوجين.
وأضاف: "يجب أن نبحث عن الحب في صدورهم والذي هو أصلا موجود، ولكن تراكمت عليه بعض الملوثات التي جعلت من النتائج مدمرة"، مشيراً إلى أن التبعات لهذا الأمر هو مؤثر، وبشكل مباشر على كل من الزوجين، وأيضا كل من يشارك في المنزل، وهم الأبناء.
وقال متسائلاً:" كيف يقبل الإنسان أن يعيش تحت هذا الضغط ليل نهار في بيت الأسرة، ويجعل من هذا الأمر قضية متراكمة داخل صدره، وداخل صدر الزوجة دون أن يبحث عن حلول من خلال وجود المتخصصين الذين سيكون لهم الدور الأكبر".
وطالب برأب ذلك الصدع لأن نتائجه وخيمة، وتظهر على الأبناء مما يجعلهم يخرجون عن النص من خلال تكوين علاقات محرمة، مشيراً إلى أن الطلاق الصامت" أو ما يعرف بالبرود العاطفي خطر كبير سيعمل على تدمير الأسر.
من جانب، كشفت دراسة حديثة، أن دور الإرشاد الهاتفي أسهم في خفض معدل المشكلات الأسرية النفسية المؤدية للطلاق في المجتمع السعودي، مشيرة إلى ان المستوى التعليمي لدى الأزواج له دور إيجابي في خفض تلك المشكلات.
وأشارت الدراسة التطبيقية حصلت "الرياض" على نسخة منها، والتي أجريت العام الماضي عن دور الإرشاد الهاتفي في خفض معدلات الطلاق إلى أنه يجب على كافة أفراد المجتمع عدم الالتفات إلى الاستشارات المزيفة من المواقع الفاسدة وغيرها، وطلب الاستشارة من جهة رسمية معتمدة.
وشددت على ضرورة قراءة الكتب، والاطلاع على الأبحاث والدراسات الحديثة التي تهتم بالأسرة من قبل المرشدين والمرشدات، إضافة إلى إنشاء أقسام خاصة بالجمعيات الخيرية المهتمة بالأسرة، وشؤونها تختص بدراسة أسباب الطلاق لعلاجها وتلافيها، أو على اقل تقدير الحد من تفشيها، وتطوير المرشدين والمرشدات مهنياً من خلال الدورات ودعم ذلك من الجهات الحكومية.
وأشارت الدراسة إلى ضرورة إنشاء مراكز خاصة للإصلاح تكون مختصة للقضايا المعقدة بين الزوجين، وإمكانية التحويل إليها من خلال المشكلات الواردة من الهاتف، إضافة إلى توفير هاتف مجاني ليتسنى لجميع أفراد المجتمع الاتصال وطلب المشورة، وتوجيه وزارة التعليم بالاهتمام، وإلزام الأفراد بالتعليم النظامي ومحو الأمية.
وأوصت الدراسة المرشدين والمرشدات في الإرشاد الهاتفي بالحرص على التطوير، والتدريب المستمر من خلال حضور المحاضرات، والندوات والمناقشات والوسائل العلمية في مجال الإرشاد بشكل عام وفي فنون التعامل بين الزوجين، والتطلع، ومعرفة كل ما هو حديث في الأمور التي تخص التربية لمواكبة تطورات العصر وحل المشكلات الواردة.
يذكر أن الدراسة أشارت إلى وجوب معرفة دور الإرشاد الهاتفي في خفض معدلات الطلاق لدى عينة من المستفيدات في خدمة الإرشاد الهاتفي بالجمعيات الخيرية، ومعرفة دور الإرشاد الهاتفي في خفض معدل المشكلات الأسرية السلوكي الدينية المؤدية للطلاق، ودور الإرشاد الهاتفي في خفض معدل المشكلات الأسرية النفسية، والاجتماعية، والاقتصادية، والتربوية المؤدية لحالات قضايا الطلاق.
الرياض السعودية-