حادثة الفتاة السعودية ذات السابعة عشر ربيعا في تركيا والتي حملت بعض مشاهد الإيذاء التي لا نعرف إذا كانت حقيقية أم حتى تفصل السلطة القضائية في ذلك لكن وسائل التواصل الاجتماعي في أيامنا هذه سهلت نشر الكثير من المقاطع التي يهرع الناس إلى تداولها وقد تحمل صور إيذاء لأطفال أو خلافهم من أفراد الأسرة مما يدفعنا إلى أن نطرح السؤال الرئيس:
ما هو الحد الفاصل بين حقوق الأبوين في رعاية أبنائهما وماهي حدود تدخل الحكومة في الشأن العائلي؟ بمعني إلى أي حد يكون من حق الأهل مثلا تأديب الأبناء أو تعنيفهم؟ ماهي الحدود التي يقف فيها حق العائلة وتصبح مؤسسات الدولة مخولة بالتدخل؟ كل هذه أسئلة للأسف لم تجب عليها قوانين الخدمة الاجتماعية في السعودية لأننا اعتدنا حسب الثقافة السائدة والممارسات الاجتماعية المألوفة وحين كان مفهوم السلطة محسوما من الأب للابن ومن الزوج للزوجة إلخ وفي ظل هذا الإطار الثقافي فإن فكرة أن الأبناء ملك لأبيهم حتى يستقلون كانت فكرة مقبولة من المؤسسات الاجتماعية والخدمية المختلفة وهو ما جعل قانونا مثل قانون الحد من الإيذاء ينام في أدراج مجلس الشورى ثم لجان الخبراء في مجلس الوزراء سنوات طوال قبل الموافقة عليه لأنه مثل تهديدا واضحا لمفاهيم ثقافية تركز على ملكية الأب الذكر لعائلته عدة وعتادا ومن ثم لم يحق لأحد أن يتدخل في الطرق التي تربي الأسرة عليها أبناءها وهكذا فإذا قرر أب مثلا أنه لا يرغب أن تلتحق ابنته بالمدرسة لم يكن من حق مؤسسات الدولة أن تجبره على ذلك كما تفعل قوانين التعليم الإلزامي في كل دول العالم وإذا عنف الأب ابنه بالألفاظ أو حتى بالضرب في العلن فلن يتدخل أحد باعتباره شأنا عائليا؟
هنا تبرز الأسئلة الثقافية المختلفة التي تنبئ عن الزلزال الاجتماعي والثقافي القادم: الصورة النمطية لنظام السلطة المطلق من أي كان: أبا أو زوجا أو معلما أو سياسيا سينتهي شئنا أم أبينا وعلينا أن نبدأ في تقبل ذلك ووضع المؤسسات السياسية والاجتماعية اللازمة التي تمهد لهذا التحول التدريجي الديمقراطي والذي يبدأ من الأسرة. حين يقبل الأب أن لا سلطة مطلقة له على أفراد أسرته وأنه مكلف برعايتهم طالما يخاف الله فيهم ويراعي قوانين الدولة التي ينتمي إليها لكن كيف نتأكد من ذلك؟ هنا يبدأ التداخل والتشابك بين حقوق الأسرة وحقوق المؤسسات العامة في رعاية الأبناء داخل العائلة؟ هل نتبنى النموذج الغربي الذي يمكن المؤسسة العامة من إسقاط حق الرعاية للطفل إذا ثبت الإيذاء؟ لكن من يحدد مدى ونوع الإيذاء جسديا ولفظيا وجنسيا أو حتى مجرد إثبات الإهمال؟ إنها مسألة مخيفة أن تصبح قوة المؤسسة العامة أقوى من العائلة في رعاية الأبناء كما هو في الغرب وفي ذات الوقت من المخيف أيضا أن يترك الأبناء في رعاية الآباء بشكل مطلق كما في حالنا خاصة وأن الأبوة والأمومة وهما الأكثر أهمية على الإطلاق للمجتمعات الإنسانية باعتبار الأسرة عماد هذه المجتمعات لا يتم التدريب على مهماتها على افتراض أن الجميع جاهزون ليكونوا آباء أو أمهات وهذا ليس بالضرورة حقيقا بديل تعدد حالات الإيذاء التي يتم تداولها بين الناس وبذا يبقى تعليم الوالدين أو خوفهما من الله أو حبهما الطبيعي لأبنائهم الذي نفترضه عوامل تحمي حقا 90% من الأبناء لكن هذا أيضا لا ينفي وجود حالات العنف وخاصة مع الأقليات داخل العائلة (أطفال ذوي احتياجات خاصة، فتيات) فماذا نفعل؟
أعتقد بأنه قد حان الوقت لإيجاد نظام متابعة اجتماعية يعني بمراقبة وتتبع حالة الأطفال في الأسر ذات الخطر العالي (أسر فقيرة، أسر لديها تاريخ في المخدرات، أسر ذات مستويات تعليمية واجتماعية بسيطة بتعريفنا الاجتماعي لذلك) أي متابعة من هم الأكثر تعرضا للخطر بحيث يعطي هذا النظام الحق لمؤسسات الدولة وكما يحدث في كل دول العالم حق التدخل لصالح الطفل وحمايته من الإيذاء وهناك مئات الآلاف من الأطفال المهملين وخاصة في المدن الصغيرة والأرياف البعيدة عن التجمعات الحضرية بما يستدعي وجود نظام المتابعة والإشراف الاجتماعي يخول للدولة التدخل من خلال إداراتها متى ما دعت الحاجة وهو أيضا ما سيوفر الآلاف من الوظائف لكلا الجنسين وفي ذات الوقت نتأكد أن كل طفل في بلادنا يتلقى الرعاية الإنسانية التي يستحقها كل طفل وطفلة.
د. فوزية البكر-