في الوقت الذي يتمدد فيه سرطان الطلاق ويستشري في مجتمعنا السعودي ، ليصبح ظاهرة مرعبة تصيب الأسرة - أي قلبه النابض- في مقتل ، منذرة بالتفكك وانفصام عرى الوئام بين قطبيها وأفرادها،يأتي من يخرج علينا بفكرة « جهبذية « ظاهرها الرحمة وباطنها المزيد من التشظي والأسر الممزقة ! حيث تقوم فكرتها على تشجيع تعدد الزوجات وحث النساء على القبول به ، وذلك بإنشاء جمعية ( قيد التأسيس) غير مسبوقة -ولم يأتِ بها أحد في العالم من قبل - لهذا الغرض « النبيل» !! وفي الوقت الذي نرى فيه أسراً في مرحلة النشوء تتعرض للانهيار السريع، بل وأخرى تتعرض لزلازل في طور خريفها تنذرها بالطلاق والتفكك، يأتي من يريد تعريض مؤسسة الأسرة للمزيد من الهزات بالتشجيع على التعدد ، مسوغاً ذلك بدفوع تبريرية ظاهرها الرحمة بالأرامل ومن أسماهم العوانس والمطلقات، فيما مساعدة المطلقات تأتي أولاً بمحاولة الحد من ظاهرة الطلاق ! وفي الوقت الذي تسعى فيه جمعية ( أواصر ) للم شعث الأطفال السعوديين الذين ألقى بهم آباء غير مسؤولين في الخارج ، داخل سراديب الزيجات العشوائية وفي أتون التنكر والهجر ، نسمع بأفكار «شاطحة» من هذه النوعية ! ثم لا تلبث أن تتناقلها الركبان الفضائية وتشتعل معها مواقع التواصل الاجتماعي ، لتوصم صورة الرجل السعودي -بالمطلق- وتنمطه داخل إطار الذكر الذي يسعى لإرضاء نزواته وشهواته ،دون أن يلقي بالاً للأسرة وتماسكها ولا الأبناء وتشتتهم، رغم أن الصورة الحقيقية مغايرة ففيها الصالح وبعض الطالح بالتأكيد . تخرج علينا هذه الأفكار الجامحة أيضاً منادية بالمزيد من الفوضى « غير الخلاقة « داخل مؤسسة الزواج ، في الوقت الذي يتجرع فيه مجتمعنا المآسي الناتجة عن شرعنة زيجات من «ماركة « المسيار والمسفار والوناسة والزواج بنية الطلاق .. وصولاً للنسخة الأحدث المسماة الركاض أو المركاض ! وهي زيجات لا تهدف لبناء أسر سوية ، ولا تسعى لديمومتها وصيرورتها لكيانات فاعلة ترفد المجتمع بأفراد صالحين يساهمون في بنائه ، ولكنها تشكل كيانات وهمية من صور الزواج المؤقت..لا تلبث أن تتفكك مخلفة آثاراً نفسية واجتماعية مدمرة على المرأة « الحلقة الأضعف « ؛ التي ترضى بهذه النسخة من الزواج المهلهل المفتقر لأدنى شروط الاستمرارية والبقاء !
تنطلق هذه الدعوة -غير الواقعية -في الوقت الذي تمر فيه الطبقة المتوسطة - ناهيك عن الأدنى- بتقلبات اقتصادية عاصفة وظروف صعبة ، من الصعب أن تستقيم فيها حياة الأسرة مادياً دون أن تخرج الزوجة أيضاً للعمل ومساعدة زوجها في تكاليف الحياة ! ناهيك عن شبح البطالة الذي يهدد شريحة كبيرة من الشباب والشابات ، وفيهم المتعلمون- بل وحملة الشهادات العليا- كما انبأتنا صحيفة( الوطن ) يوم السبت الماضي عن سبعة آلاف شاب وشابة أطلقوا على أنفسهم ( عاطلو الدراسات العليا) يبثون همومهم وشجونهم على حساب لهم على موقع تويتر . وغني عن الذكر هنا أن الأسباب الاقتصادية وضيق ذات اليد هي العقبة الأولى التي تقف في وجه الشباب وتحقيق أحلامهم بالزواج والاستقرار ، فالأولى هنا أن يرفد ويساعد الشباب الذي لم يسبق له الزواج وتمنعه ظروفه الاقتصادية من الإقدام عليه . والأولى هنا أيضاً تأسيس جمعيات تساهم في الحد من حالات الطلاق ، والتأكيد على معنى الزواج كميثاق غليظ وأهمية استقرار الأسرة وترابطها ، وتأهيل الشباب المقدم على الزواج ليستطيع إدارة حياته الزوجية بنجاح واقتدار !
أمل زاهد- المدينة السعودية-