قبل سنتين، دخلت إحدى الإدارات التي تُعنى بخدمة المواطن. كان وضعها مأساويا. فوضى خارجها، وفوضى داخلها. موظفون عابسون، تقرأ الإحباط والتذمر في عيونهم. مكاتب رديئة. كراسي تم شراؤها من إحدى موازنات القرن المنصرم. صالات يتطاير منها الغبار تحت أقدام المراجعين. بخور مغشوش يمتزج برائحة الغبار!
ليست هنا كل الحكاية. ما أثار استيائي بالفعل هو مكتب مدير الإدارة ذاتها. وجدته ممتلئا بالدروع التذكارية وخطابات الشكر، تظن للوهلة الأولى أنك في متحف لإحدى الشخصيات المتوفاة. الدروع في كل زاوية. لم أطل المكوث، دخلت بصمت وخرجت بصمت، وأنا أسحب خلفي سؤالا ضخما: على أي شيء يتم تكريم هذا المدير وهذه الإدارة؟!
لدي موقف قديم من الدروع التذكارية، تذكرته أمس وأنا اقرأ دعوة الأمير "فيصل بن خالد"، أمير منطقة عسير، للأجهزة الحكومية والخاصة في مختلف محافظات عسير، باستبدال الدروع التذكارية التي تقدم في الاحتفالات والمناسبات ببطاقات "كفالة اليتيم". بما في ذلك الدروع التي تقدم له.
ليس لدي تصور عن الكيفية أو الآلية البديلة، لكنني مبتهج بأن الدروع التذكارية ستصبح شيئا من الماضي. كل الذي أتمناه أن تجد بادرة الأمير تجاوبا من الفعاليات الرسمية والشعبية، لأن الأمر يندرج تحت إطار المبادرات الفردية البناءة.
قبل سنوات، تجاوبت وزارة التعليم -التربية والتعليم آنذاك- مع مقترح لي بمنع تقديم الدروع في حفلاتها -التي تقدر بعشرات الآلاف من الاحتفالات كل عام- فمنعت توزيع الدروع. لكن عادت بعد ذلك.
أقف مع مبادرة الأمير فيصل بن خالد، فنحن أكثر شعب في العالم يستهلك الدروع، ويقدمها بمناسبة ودون مناسبة.
عام 2014، أعلنت وزارة الشؤون الإسلامية عن حاجتها إلى استئجار مبنى خاص لحفظ الدروع التي تتكدس في ممراتها!
حضرت حفلا ذات مرة. فوجئت بهم يستعرضون اسمي ضمن المكرمين. لا أدري لماذا حدث ذلك. أدركت أن الأمور في تلك الإدارة تسير تبعا لقاعدة "كل وانت ساكت". كثيرون يحدث معهم ذلك -هذه مفارقة مضحكةـ بحر من الدروع من كل شكل ونوع. بعضها "دروع أي كلام". لا يعلم الإنسان لماذا يتم تكريمه أصلا!
صالح الشيحي- الوطن السعودية-