كنا نقول إن الثقافة السائدة أحد معوقات التحضر في المجتمع وتطوره ونجاح بعض المشاريع الخدمية التي ترتبط استدامتها بمدى تقبلها فكريا وثقافيا، ولكننا نعزي أنفسنا بقول إن أكثر الأشياء تصعب دائما في بداياتها، وما إن يعتاد عليها الناس حتى تسير بشكلها الطبيعي، هذا ما خطر في بالي ذات مرة استخدمت فيها سيارة أجرة من شركة «كريم»، في طريق العودة سألت السائق السعودي عن تجاربه في هذا العمل، فأكد لي نفس المشكلة التي سمعناها من الكثير وحدثت مع أقرانه في نفس الشركة أو شركة أوبر، وهي أن بعض الطلبات تلغى إذا اكتشف المستخدم أن السائق سعودي!
تلك الإجابة تفتح الكثير من الأبواب لعدد من المسائل ذات الصلة، وتتلخص في السؤال لماذا كل هذا الخوف من سائق الأجرة السعودي؟! بالرغم من أن هذه الشركات تقدم خدمات أفضل بآلاف المرات من وسائل النقل التقليدية وأكثر أمانا منها كونها تؤهل سائقيها للتعامل مع الزبائن وتخضع لنظام رقابي وتمكن أي مستخدم من تقييم الخدمة والسائق والشكوى ضده في حال حدث أي تجاوز.
من وجهة نظر اجتماعية، هناك الكثير من المشكلات التي حدثت ولا زالت تحدث كانت سببا في التخوف من التعامل مع الرجل السعودي الذي أصبحت النساء تجده وتتعامل معه في المستشفى والكاشير وخدمات توصيل البريد للمنازل والتنقل وغيرها، بدأت المشكلات من عند الصوت المؤثر الذي حارب طبيعة العلاقات الإنسانية في هذا المجتمع وسجن مشاعر الناس وعواطفهم في قالب من الذعر والخوف من الآخر، وهو الذي تسبب في حالة من الاختناق والكبت الذي يجد في التجاوزات والتحرش فرجة لتنفيس احتقانه، وهو نفس الصوت الذي أخذ يتعالى ويضع نفسه في كل قضية تمس حاجات المرأة، ولم يتوان عن توظيف رأيه وتكريس جهده في محاربة هذه المشاريع على وجه التحديد وخوّف النساء من استخدامها رغم الحاجة الماسة للتنقل في ظل انعدام الخيارات، حينها سنجد أن هذا الشاب وأمثاله ضحية لذهنية مجتمعهم وسوء التنشئة الاجتماعية وسوء استخدام أدوات الضبط الاجتماعي للجنسين من قبل التيار الأكثر تأثيرا في فكر المجتمع، حتى أصبحت ثقافة الاحتياط والتمنع والتحريم أكثر ترسخا في الآليات المتحكمة بالهندسة الاجتماعية، وهي النقطة التي توقف عندها المجتمع في كثير من المسائل وأصبح التحضر صعبا عليه.
بأيدينا جميعا تغيير هذا النموذج واستبداله بالنموذج الأفضل، وإن حدثت المشكلات فحدوثها أمر صحي وطبيعي ومع ذلك يمكننا تجاوزها من خلال مساهمتنا في التغيير، فالثقافة بطبيعة الحال تبني نفسها من جوانب عديدة إذا أقبلنا على التعامل مع حياتنا بطرق جديدة تتناسب مع احتياجاتنا الإنسانية في الوضع الراهن، إذا استطعنا تحييد أدبيات التعامل التي حدثت في الماضي، ومن ناحية أخرى فإن القناعة بأهمية توطين فرص العمل بشكل عام ستساهم في تنمية المجتمع حتى ولو بدأت من الزوايا الصغيرة إلا أنها في كل الحالات تتطلب الخروج من الصناديق المغلقة والتقليدية، وحتى لا يقال عن المجتمع السعودي إن ثقافته سبب تخلفه.
مها الشهري- عكاظ السعودية-