مجتمع » ظواهر اجتماعية

قتل الأقارب.. حاصل جمع الخلل القيمي والاعتلال النفسي والأفكار الضالة

في 2016/10/15

8 جرائم قتل للأهل والأقارب في نحو عام ونصف، هزت ضمير المجتمع السعودي الذي اعتبر تلك الحوادث دخيلة على نسيجه المتماسك، حيث تمثل خللا صارخا للقيم الاجتماعية والدينية والأخلاقية، بل أيضا للضمير الإنساني السوي في كل مكان بالأرض.
انتشرت تلك الجرائم مؤخرا، وكان آخرها قتل معلم معتل نفسيا لأبيه وأخته، وإصابة أمه في حي الشوقية بمكة المكرمة، وهو الحادث الذي أعاد من جديد مناقشة تلك الظاهرة الجديدة، والدخيلة على المجتمع.. ويرجح المختصون والمحللون أن من أسباب تلك الجرائم هي مؤثرات الأفكار الضالة والتفكك الأسري وتعاطي المخدرات والحالة النفسية، وهي العوامل التي من شأنها أن تخلق نوعا من الاضرابات الاجتماعية، يدعو إلى ضرورة التصدي لها بجدية، حتى لا تصبح تلك الحالات الموتورة ضمن الحوادث المتكررة التي يعتاد عليها المجتمع.
«المدينة» طرحت القضية للنقاش على عدد من المختصين في مجالات مختلفة، وفيما يلي نتعرف على آرائهم.

خبير سلوكي: التناقض والخلل القيمي يعززان السلوك السلبي
أكد خبير علم النفس السلوكي المعرفي الدكتور عبدالله الحريري -في تعليق سابق له- أن الناس في مجتمعنا يمارسون العبادة كعادة وليست كسلوك، وهذا خلل قيمي خطير، يؤدي إلى انفصام في الشخصية، وهو ما يعزز السلوك السلبي لدى العدوانيين، كما يعاني مجتمعنا من خلل في الموروث السائد في التربية الأسرية الذي يعتمد في صلبه على عبارات: «خلّك رجّـال، خلّك أسد، خلّك ذيب، خذ حقك بيدك»، وهذه العبارات تعزز مفهوم شريعة الغاب في نفوس الناشئة، وتكبر معهم وتتحوّل إلى سلوك، وهذا ما نجني نتائجه اليوم في حوادث القتل للأقارب وغيرهم، والعدوان بدم بارد على المجتمع، ويتجه العدوان من هذه الفئة على الناس الأضعف في حياة الشخصية العدوانية، كالنساء والأطفال والشيوخ الذين لا يستطيعون الدفاع عن أنفسهم بطريقة متكافئة، ما يجعل هؤلاء العدوانيين يستأسدون، ويمارسون عدوانهم بطريقة جريئة، ويتزامن هذا الخلل مع انفصام واضح بين التربية في المنزل، وما تقدمه المدرسة، والجامعة، فكثير من الأسر تتبع أساليب غير تربوية لا تتسق وقيم الإنسانية، بينما المدرسة والجامعة غائبتان تماما عن هموم المجتمع ومشكلاته.

مشكلات سلوكية:
تربية النشء على العنف ونزعات الانتقام
الاستقواء على الضعفاء والتغاضي عن العنف ضد المرأة
الانفصام بين التربية في المنزل والمدرسة
غياب المؤسسات التعليمية عن دورها التربوي

خبير أمني: الأفكار الضالة أبرز الأسباب في انتشار الظاهرة
يقول المستشار الأمني العقيد محمد المنشاوي إن الأسباب النفسية وتدهور القيم الاجتماعية ومؤثرات الأفكار الضالة تقف وراء انتشار ظاهرة قتل الأقارب، وأضاف: تعد الأفكار الضالة من أبرز الأسباب في انتشار هذه الظاهرة، لاسيما أن تنظيم داعش اتجه مؤخراً لأساليب جديدة في التجنيد والتحريض على قتل الأقارب، منها التركيز على من لا سوابق لهم وغير المطلوبين أمنياً ومن يعانون من اعتلالات نفسية لتنفيذ العمليات الإرهابية، مثل ما قام به منفذ جريمة حي الشوقية في مكة المكرمة، حيث نفذها رجل متعلم ليس له سجل سوابق، والتي راح ضحيتها والده وشقيقته، لافتاً أن تنظيم داعش الإرهابي لديه أفكار ضالة لا تمت للعقيدة الإسلامية بأي صلة، مستغلاً صغار السن عبر وسائل التواصل لتجنيدهم لتنفيذ أعمال إرهابية داخل المجتمع، وحذر الأهالي والأسر من هذه الظاهرة والانتباه لأبنائهم من خلال مراقبة تصرفاتهم وسلوكياتهم، مطالباً إياهم بالإبلاغ الفوري عن أبنائهم الذين يعانون من حالة نفسية بسبب تعاطي المخدرات أو التفكك الأسري أو الذين يشكون في توجهاتهم ونزعاتهم الإرهابية والإجرامية.

سبل مواجهة المشكلة:
مراقبة تصرفات الأبناء وسلوكياتهم
علاج الأبناء الذين يعانون من مشكلات نفسية
الإسراع بمعالجة مدمني المخدرات
الإبلاغ عن ذوي النزعات الإرهابية والإجرامية

داعية: يجب دراسة تلك الحوادث ومواجهتها وعلاجها
لفت الشيخ محمد السهلي إلى أن الأقدام على قتل النفس محرم شرعاً باتفاق العلماء كما هو معلوم فما بالك بقتل الأقارب التي تهدد استقرار المجتمع وأمنه وأصبحت كابوسا مرعبا لكافة أفراده وأغلبها ترتكب لأتفه الأسباب والغريب أن بعض هذه الجرائم ترتكب بأبشع الطرق رغم تعدد الأسباب ومنها الأسباب النفسية وتعاطي المخدرات والأفكار الضالة وكثيرا ما تهتز بعض المدن والأحياء الشعبية على وقع جرائم مروعة يذهب ضحيتها أشخاص في ريعان شبابهم وأطفال لا ذنب لهم سوى أنهم الوسيلة الوحيدة التي تستخدم للانتقام من أطراف الخلاف العائلي أو أن يكون الفاعل تحت مؤثرات الأفكار الضالة، لافتا إلى أن جميع الأسباب التي أدت إلى انتشار هذه الظاهرة لابد أن يتم مواجهتها من قبل الكليات الشرعية ووزارة الشؤون الإسلامية ووزارة الشؤون الاجتماعية ووزارة الداخلية ووزارة الصحة، مطالباً بضرورة دراسة هذه الحالات حتى إن لزم الأمر إلى أن يتم توفير منتجعات ترفيهية لهم لكي يسهل الوصول إلى أعماقهم من قبل المختصين ومعرفة ما يدور في مخيلاتهم الفكرية ليسهل التعامل معهم والقضاء على هذه الظاهرة وأن يكون هناك ورش عمل تعني بحماية الأسرة من تخلل هذه الظاهرة داخلها وتشرف عليها الجهات العليا، مؤكداً بأنه منذ ظهور هذه الأحداث المؤلمة من القتل وغيرها من العمليات الإجرامية لم نسمع بجهود واضحة وجادة لمعالجة هذه الظاهرة.

طرق للتعامل مع الظاهرة:
ضرورة تدخل الكليات الشرعية ووزارات الشؤون الإسلامية والاجتماعية والداخلية والصحة
دراسة الحالات المنحرفة وإقامة مراكز متخصصة في ذلك
إقامة محاضرات وندوات وورش عمل تعني بحماية الأسرة

قانوني: 3 أسباب وراء الظاهرة لا تعفي الجاني من المسؤولية
يرى المحامي عوض الحارثي أن انتشار ظاهرة قتل الأقارب هو مؤشر خطير في السلوك الطبيعي الإنساني ويجب النظر أولاً إلى المسببات لكي تنزع المشكلة من جذورها، وبالنظر إلى الدوافع فهناك ثلاث محاور رئيسة الأول المرض النفسي والثاني الفكر المتطرف المنحرف وتعاطي المخدرات فهي أسباب لا تعفي الجاني من المسؤولية الجنائية بحق من تعدى على حرمة دمه وإزهاق روحه، فحين يكون القاتل مكلفا عاقلا بالغا مدركا عواقب الأمور، ومقتوله مستأمنه على روحه ولا يتوقع منه قيامه بالقتل، فيجب الحكم بقتله حداً للغيلة، ويجب على كل شخص مراقبة من حوله من أقاربه والنظر في حالة إذا وجد منه سلوكا غير مألوف أو تعرضه لأزمة نفسية حيث وفرت الدولة مراكز العلاج من مستشفيات للصحة النفسية أو مراكز للمناصحة التابعة لوزارة الداخلية.

من أسباب الظاهرة:
المرض النفسي وتجاهل الأسرة والمجتمع له
الفكر المتطرف المنحرف وعدم التعامل مع جذوره
تعاطي المخدرات وانتشارها بين قطاعات من الشباب

أخصائي نفسي: غياب الثقافة النفسية ونقص المستشفيات وراء الظاهرة
أكد الدكتور عبدالمنان ملا بار استشاري العلاج والإرشاد النفسي بجامعة أم القرى ومدير عام مكتب تقارب للاستشارات النفسية والتربوية والاجتماعية أن المرض النفسي من الأمراض العصرية في عصرنا هذا الذي يشهد متغيرات كبيرة شئنا أم أبينا، فمن الضروري أن تتوفر خدمة الصحة النفسية في العاصمة المقدسة بمستوى عال من الجودة سواء من حيث الكوادر البشرية أو الأجهزة التقنية التي تستخدم في مجال الاضطرابات النفسية، فمكة المكرمة توسعت بشكل كبير وتحتاج توسعا أكبر في المجال الطبي سواء في مجال الأمراض النفسية أو العضوية، وقد تأخر وجود مستشفى للصحة النفسية بمكة المكرمة كثيرا، ومكة تستقبل مواسم للعمرة والحج إذ يفد إليها الناس من كافة الأطياف التي ممكن أن تفرز مشكلات نفسية، متسائلا: هل يكفي أن يكون بمكة المكرمة عيادة في مستشفى كالتي في مستشفى الملك عبدالعزيز أمام هذا المتطلب الحضاري الكبير؟
وأضاف الدكتور ملا بار: أعتقد أن هذه مسؤولية تتحملها وزارة الصحة، وأضاف قائلا: أتحدث من منطلق خبرتي في العمل بجامعة أم القرى منذ أكثر من ثلاثين عاما لم أجد لتدريب الطلاب مكانا بمكة المكرمة، فهل يعقل أن تخلو مكة المكرمة من مستشفى للصحة النفسية؟! فأمام المتغيرات التي تشهدها العلاقات الأسرية والتأثيرات في العلاقات والتواصل لابد أن يكون هناك إفراز للمشكلات النفسية، وإذا وجدت فلابد من مستشفى متخصص تتوفر به أرقى الكوادر البشرية والآلية فلا يمكن لنا أن نهمش هذه الخدمة الهامة ولمكة حق كبير في هذا المجال.
ثقافة الصحة النفسية
وحول غياب ثقافة الصحة النفسية قال الدكتور بار: نعم ثقافة الصحة النفسية مغيبة في المجتمع لدينا فمجتمعنا متحفظ على الأمراض النفسية داخل الأسرة وفي المجتمع سواء المجتمع القبلي أو المجتمع الحضري وكأن المريض النفسي سمعة سيئة وعار على الأسرة والمجتمع فلما يعاني الشخص من اضطرابات نفسية بسيطة يعتبره المجتمع والعائلة عيب. فمكة المكرمة متحفظة ولذلك لا تناقش ثقافة الصحة النفسية ولا تحاور إلا في أطر محدودة فلا نرى نشر توعوي حولها إلا القليل جدا بل إن وزارة الصحة تحتفل مرة في السنة بيوم الصحة النفسية واحتفال محدود.
مشيرا إلى أن عدم وجود عيادات نفسية في مكة بشكل فاعل زاد من تغييب ثقافة الصحة النفسية وقال إنني لدي مكتب استشارات نفسية اخترت أن يكون مكانه في جدة لأن فيها انفتاح أكثر من مكة في مجال ثقافة الصحة النفسية لأن إقبال المجتمع المكي على العيادات النفسية ضعيف جدا ولذلك لازالت الثقافة النفسية غير فاعلة وتحتاح جهود كبيرة فمن المسؤول عن ذلك؟ هل هي وزارة الصحة أم الجامعات أم النوادي؟
مشيرا إلى أن كثيرا من الأمراض العضوية مبعثها يأتي من مشكلات نفسية فنحتاج إلى وعي ثقافي مؤكدا أن المرض النفسي ليس خللا في الجانب العقلي كما يرى البعض وإنما اضطرابات تصيب كل الناس.
العصابي والذهاني
وقال إن المرض النفسي ينقسم إلى قسمين الأول يسمى بالمرض النفسي العُصابي وهذا يصيب كل الناس في حياتهم مثل القلق والوساوس والاكتئاب والانعزال والانسحاب والعلاقات التوترية بين الأسرية والحزن وضيق الصدر وأي حالة عُصابية لا يستجاب لها بالإرشاد النفسي والعلاج السلوكي قد تتحول إلى النوع الثاني وهو المرض النفسي الذُهاني (خلل في وظائف العقل) فيتحول الإنسان من الحالة العُصابية إلى حالة الخلل في وظائف العقل فيقتل أو ينتحر فلابد أن يؤخذ المريض إلى عيادة أو مستشفى الصحة النفسية ليبقى تحت الملاحظة والمراقبة مشيرا إلى أن الحالة التي حدثت وراح ضحيتها أب وابنته كانت حالة متطورة فهناك تأثيرات أدت إلى هذه الحالة ووصلت بالقاتل إلى هذه المرحلة لأن الحالة أهملت ولم يتم لها الرعاية المطلوبة فللمريض تاريخ مرضي لم تتم خلاله الرعاية النفسية، مؤكدا أن غياب الخدمات الحصة المهارية يفرز لنا مثل هذه الحالات الأمر الذي يحتم علينا توفير مصحات نفسية على أعلى المستويات بمكة المكرمة على وجه الخصوص مشيرا إلى أن العصر الذي نعيشه اليوم هو عصر القلق النفسي شئنا أم أبينا.

جرائم قتل الأهل خلال عام

يوليو 2015
مطلوب أمني يقتل والده في خميس مشيط
يوليو 2015
مراهق بالرياض يقتل خاله العقيد، ثم يفجر نفسه بالقرب من نقطة أمنية
سبتمبر 2015
شقيقان في حائل يقتلان ابن عمهما العسكري بعد استدراجه لرحلة برية.
فبراير 2016
6 من عائلة واحدة بالقصيم يقتلون ابن عمهم من قوة الطوارئ الخاصة بعد استدراجه لمنطقة خالية.
يونيو 2016
أطاحت شرطة محافظة رماح بضابط سعودي سابق نحر زوجته السورية بطعنها عدة مرات.
يونيو 2016
قام توأمان بالرياض بقتل والدتهما وإصابة والدهما وشقيقهما الثالث، قبل أن تعتقلهما الشرطة السعودية.
أكتوبر 2016
معلم معتل نفسيا يقتل أباه وأخته ويصيب أمه بجروح خطيرة في مكة.
جرائم عربية ودولية
تونس
ما يزال طفل تونسي يعاني ظروفاً نفسية حرجة جداً، بعدما جرى إرغامه على مشاهدة عملية ذبح ابن عمه البالغ من العمر 16 عاماً على أيدي 6 ممن تبنوا الفكر الداعشي، وذلك في إحدى البلدات التابعة لمحافظة سيدي بوزيد، وسط غرب تونس، قبل بضعة أشهر.
الكويت
ألقت السلطات الكويتية اليوم السبت، القبض على شاب (23 عاماً) قتل شقيقه الأكبر (25 عاماً) نحراً في ديوانية منزلهما على الطريقة الداعشية، حيث اعترف الجاني بارتكابه الجريمة لدى المباحث مبرراً السبب بان شقيقه لا يصلي ولا يصوم.
سوريا
أقدم شاب على قتل والدته نحراً أمام جمع غفير من الناس وسط مدينة الرقة شمال سوريا، تنفيذاً لأوامر داعش، بعدما طلبت منه التخلي عن التنظيم.
فرنسا
أثارت جريمة قتل شخص، في اعتداء نفذه شخص يحمل راية داعش، الرعب في فرنسا، حيث عثرت الشرطة نهاية العام 2015 على رأس مقطوع عليه كتابات بالعربية معلق على سياج قرب مصنع في منطقة ليون شرق وسط فرنسا.
المغرب
قام شاب مغربي متأثر بتنظيم داعش بذبح والده في مدينة تاراسكون الفرنسية، القريبة من مرسيليا، وأرجع السبب بأن والده «ليس مغربياً صالحاً»، وذلك بحسب ما أكدته عناصر الشرطة المدينة لجريدة «لوباريزيان».