مجتمع » ظواهر اجتماعية

كيف نتفادى شبح «التحرش الجنسي»؟

في 2016/11/30

الطفولة تعني السلام بكل أنواعه، تعني الطهر والتلقائية بكل تفاصيلها، ما إن توجد في منزل إلا أضافت بهجة وسعادة على أفراده، بها تحيا الأركان وتطرب الوجدان، أطفالنا نعمة عظيمة من الله نجد من خلالهم المعنى في الحياة، سعادة وعطاء وحباً، من خلالهم نتعلم كيف نعطي ونحمي ونربي أنفسنا، من خلالهم نهذب أنفسنا في كيفية التعامل معهم، وتكمن أيضاً في جزء من رسالتنا في هذه الحياة.

الطفولة عنوان كبير يحتاج إلى شيء من التفصيل، أطفالنا ليسوا بحاجة للمال الوفير أو السكن الكبير، أو تنوع المربين والحاضنين، أطفالنا في حاجة إلى الحب والاحترام والرعاية والاهتمام، وليسوا بحاجة كذلك إلى تلقين وإلقاء المحاضرات عليهم ليل نهار، الأمر مختلف تماماً، أطفالنا بحاجة إلى أنموذج حي أمامهم، أنموذج من أب وأم يتحليان بالمحبة والتقدير والاحترام في ما بينهما، أي بيئة سليمة هادئة ومستقرة، هذا العنصر الأول المهم لطفولة «الأمان النفسي والمعنوي». من هنا يستشعر الأطفال مكانتهم بين قلوب والديهم، فيغدون أكثر ثقة وقوة من الداخل، من هنا بالذات ننمي قدراتهم على الاعتماد على أنفسهم في إظهار مشاعرهم وخوفهم واضطرابهم متى ما احتاجوا لذلك. أغلب قضايا «التحرش الجنسي» تدعونا للوقوف على نقاط جوهرية عدة:

الأولى: الثقة الزائدة أحياناً تكون سلاحاً ذا حدين تجعلنا نترك الأطفال بمفردهم من دون رقابة مع أحد أفراد الأسرة أو مع أحد العاملين من الخدم، وغالباً ما يكون التحرش من المحيط القريب للطفل.

الثانية: قمع الأطفال من التعبير عن مشاعرهم بحرية وتلقائية، وللأسف ما يجهله الكثير من الوالدين أهمية جعل الطفل يعبر ويتحدث دائماً عما يرغب فيه، وهذا لا يأتي إلا من خلال احترام كلام الطفل وجعله يشعر بأهميته أثناء حديثه، عبر نمط معتاد عليه بين والديه، لأن بعض الأطفال يتعرضون للتحرش ولا يستطيعون أن يتحدثوا لخوفهم.

الثالثة: عدم توعية الأطفال بأهمية المحافظة على الجسد، وإن تمت التوعية في الأسرة أو المدرسة للأسف تكون بطريقة خاطئة تفتح عيونهم من دون الاستفادة الحقيقية، لذا التوعية في المحافظة على أنفسهم لا بد أن تكون مدروسة، وليست عشوائية تدمر ما قصدنا من الهدف، أو الترويع والفهم الخاطئ.

الرابعة: الثقة الزائدة من المقربين، إذ إن أغلب حالات التحرش من الأقرباء، أو كما يطلقون عليه علماء النفس «زنا المحارم»، وهنا نحن لا نشكك في أحد، لكن من حق الطفل علينا ملاحظته ورعايته، فهو مازال صغيراً ولا يستطيع أن يحمي نفسه.

الخامسة: بعض حالات التحرش تكررت مرات عدة بسبب عدم قدرة الطفل على الإفصاح، لخوفه من والديه من أن يتعرض للمعاقبة أو الاتهام، فيظل ساكتاً لسنوات، ومن هنا ركزنا على ضرورة عدم قمع الطفل في التعبير عما يرغب فيه، وهذا لن يأتي إلا إذا توافرت المحبة والاحترام تجاه الطفل.

السادسة: بعض الوالدين يجهلون كيفية التصرف عندما يتعرض أحد الأطفال للتحرش، فيلجأون للصمت، وهذه أكبر معضلة حقيقية يواجهها الطفل، لأنها لا تنتهي كما يعتقد الوالدان، بل تستمر إلى أن يكبر الطفل المعتدى عليه ويتحول إلى معتدٍ على آخر، لذا نجد كل «معتدٍ» عندما نغوص في تاريخه التطوري نجده هو أيضاً تعرض للتحرش في طفولته، أي عملية متكررة إن لم تعالج منذ البداية. لذا من الضروري عرض الطفل المتعرض للتحرش على المختصين للبدء في خطة علاجية صحيحة للتخلص من كل المشاعر المضطربة من خوف وعنف وبناء الثقة بنفسه من جديد.

السابعة: جهل الوالدين بكيفية التعامل مع الطفل المتحرش به، إذ يصابان بالرعب فيلجآن إلى (التلفظ والتحقير والملامة) كيف أنه لم يستطع أن يحافظ على نفسه، ما يجعل الطفل يعيش حالاً من الصراع النفسي والاضطراب، والبعض يقوم باستجواب الطفل يومياً، ما يجعله يتذكر الحادثة كل يوم، فيعيش أيضاً الاضطراب النفسي.

الثامنة: ما علينا فعله حقيقة هو المحافظة أولاً على أطفالنا بالوقاية، بتوفير بيئة آمنة ومحبة وراعية ومراقبة، وأن نطور علاقتنا جيداً مع أطفالنا، نبني الثقة معهم دائماً، بحيث لو تعرّض أحد منهم - لا قدر الله - لشيء سيعرف كيف يتصرف، وكيف يعبر لوالديه من دون خوف، لأنه اعتاد منذ الصغر على التعبير والبوح لوالديه ولا يوجد حاجز بينهما، كما علينا ملاحظة أطفالنا في أي مكان.

التاسعة: هناك فيديوهات خاصة لتوعية الأطفال، مدروسة بطريقة علمية لا تخدش حياء الطفولة، وكذلك كتب للأطفال توضح كيفية المحافظة على أنفسهم وأجسادهم، من المهم أن تتوافر في المدرسة والأسرة والتركيز في كيفية الوقاية والحماية للطفل، من خلال توفير ورش عمل تثقيفية وتنويرية، بدل التركيز على المشكلة كمشكلة لأننا هنا نوسع الدائرة لمزيد من التخويف والترهيب وكأننا نشاهد ونناقش النتائج فقط، المهم هو كيف نركز على الوقاية والحماية قبل أن تكون المشكلة، أي نكون الفعل لا رد الفعل.

هيفاء صفوق- الحياة السعودية-