مجتمع » ظواهر اجتماعية

مهزلة ويسمونها إبداعا

في 2017/03/06

لا يمكن أن نعيش في قوقعة منغلقين عن العالم، ولا يمكن أن نمنع سمومهم من أن تصل إلينا، ولكن بيدنا أن نقوم على التأسيس الصحيح بعيدا عن الخرافات والأوهام؟

قد يعتقد البعض أنني في المقالات الأخيرة لي ممن يؤمنون بنظرية المؤامرة، ربما.. إن كان الأمر يتعلق بهويتنا وأمننا والأهم عقيدتنا. حينما أرى أن الخطر أصبح قريباً من أطفالنا وشبابنا وأجيال المستقبل، لا أستطيع إلا أن أتوقف وأضرب الجرس بكل ما أوتيت من قوة! ليس أمامي إلا قلم وورقة حتى يصل من خلالهما صوتي، ولكن بما أملك سوف أحارب هذا الفساد الذي يتغلغل شيئا فشيئا إلى داخل مجتمعاتنا العربية بما أننا أصبحنا قرية واحدة، وما يحدث أو يقدم في أي جزء من العالم من علوم أو فنون أو ثقافة يصل إلينا بأكثر من وسيلة إعلامية ووسائل التواصل الاجتماعي، وعليه لا بد أن نتوقف ونواجه!
كنت أتحدث مؤخرا مع إحدى قريباتي عن سلبيات فوز فيلم «ضوء القمر» الأميركي بجائزة الأوسكار لهذا العام، وبعد أن سردت لها القصة نظرت إليّ وكأنها تذكرت شيئا، وقالت: لا أدري، ولكن كأنني سمعت أولادي يذكرون اسم الفيلم أو حادثة الغلطة في إعلان اسمه، يا خوفي من أن يدفعهم ذلك إلى مشاهدة الفيلم«! لا يخفى على أحد اليوم أن المزود الأميركي لخدمة البث الحي للفيديو حسب الطلب»نتفلكس«أصبح لديه أكثر من 404 ملايين مشترك حول العالم والأرقام في ارتفاع، هذا عدا عن المزودات الأخرى التي يمكن من خلالها تحميل الأفلام ومشاهدتها عبر النت، وهنا تكمن الخطورة، فمجرد أن يشد انتباه الشباب عنوان لفيلم لأي سبب كان سوف يكون متاحا لهم الوصول إليه ومشاهدته متى ما أرادوا ذلك، وإن لم يكن في المنزل فعن طريق الأصدقاء! أين الخطورة؟ إن الطريق الذي يؤدي إلى هزيمة أي ثقافة هو من خلال الاستيلاء على عقول وقلوب الشباب، وإن تمكن أصحاب التغيير من الأطفال يكون أفضل لأن ذلك سيجعل المهمة أسهل عليهم فيما بعد، وهذا ما يتم فعله خاصة حين نصغي إلى تحذيرات الشريحة الملتزمة في أميركا وهي تحذر من تسرب محتويات أجندة المثلية إلى أدب الشباب والأطفال! والأدب يحول إلى أفلام ومسلسلات وبهذه الطريقة يصل إلى شبابنا، فالقراءة لديهم أصبحت على الهامش، وإلى أطفالنا عن طريق الألعاب الإلكترونية أو أفلام الكرتون.
لقد صيغت الطرق في الجزء الثاني من القرن الماضي ويمكن كمثال الرجوع إلى كتاب بعنوان»بعد الاحتفال: كيف ستتمكن أميركا من قهر الخوف والكراهية للمثليين في التسعينات«! حيث يقول الكاتبان مارشال كيرك وهنتر مادسن»(يجب) تصوير المثليين كضحايا للظروف والقهر، وليس كعدوانيين... يجب أن تكون صورة المثيلين كضحايا في حاجة إلى حماية، بحيث يميل الإنسان العادي، كردة فعل، إلى القيام بدور الحامي«! ومن يتابع الأفلام والمسلسلات الأجنبية سيلاحظ هذا النهج، وكمثال أذكر شخصية المثلي القاتل في فيلم»صمت الحملان«، واليوم يقدم على أساس أنه الضحية الذي يبحث عن نفسه ليجدها في فيلم»ضوء القمر«! طبعا هنالك الكثير من الأفلام قبلهما وما بينهما حيث يموت في غالبيتها البطل مثل»فيلادلفيا«و”قبله امرأة العنكبوت» و«الأولاد لا يبكون»، على سبيل المثال لا الحصر، بما فيها المسلسلات الواضحة مثل «أسرتنا»، وغير الواضحة «رجال X»!
ولنعد إلى فيلم «ضوء القمر»، من حيث التصوير والموسيقى والإخراج والتمثيل حسب النقاد فهو عملية إبداع تجسدت في فيلم، ولكن من حيث الأخلاقيات فهو يجسد الرذيلة، وهذا حسب رأيي الشخصي، خاصة وهو يحتوي على مشهد مثلي إباحي وأكثر من مشهد مثلي إيحائي! وحين ندرك أنه في صناعة السينما، يقوم البعض في تجسيد شخصيات قد تلهم المشاهدين للعمل أو التفكير بطريقة أو بأخرى، لا يمكننا عندها التقليل من سلطة هذا الوسيط! يريدوننا أن نتفهم رحلة المعاناة التي يمر فيها طفل ثم مراهق ثم شاب حتى يكتشف هويته المثلية، ولا نتعاطف معه فقط بل مع الشخصية التي قدمت له المد الأبوي رغم أنها لمروج مخدرات يقوم أيضا بتزويد والدة الشاب ويسهم في انحدارها وتحطيمها وتحطيم غيرها من المدمنين! والمفروض، حسب رؤية البعض، أن نفرح لأن مجسد هذه الشخصية كسب جائزة الأوسكار كأول مسلم، فعلا قدوة رائعة للشباب المسلم! ولنلاحظ التركيز في غالبية وسائل الإعلام التي نقلت الخبر على كلمة «أول مسلم يكسب جائزة أوسكار»! عن أي دور؟ مروج مخدرات! وفي أي نوعية من الأفلام؟ فئة LGBT... أقيموا الأفراح والليالي الملاح فقد انتصرنا! فعلا هزُلَت!
لا يمكن أن نعيش في قوقعة منغلقين عن العالم، ولا يمكن أن نمنع سمومهم من أن تصل إلينا، ولكن بيدنا أن نقوم على التأسيس الصحيح بعيدا عن الخرافات والأوهام، نؤسس عن طريق روح الإسلام السمح ونقوي روابط وجذور الهوية، ليس من خلال الحجب لأن ذلك أصبح صعبا ومضللا، كيف؟ هو صعب لأن طرق الدخول متعددة ومتاحة، ومضللة لأنهم سوف يلجؤون إلى طرق أخرى تعرضهم لمعلومات مغلوطة، وقد تكون خطرة دون أي إرشاد وتوجيه من قبلنا، ولكن من خلال الحوار معهم بكل صدق وشفافية نستطيع التواصل والتوجيه، نريد شباباً واعياً يلاحظ ويحلل وينتبه ويتخذ القرار السليم، كما لا نريد تطرفا بالتأكيد لا نريد انحلالا ولا شبابا بلا هوية.

ميسون الدخيل- الوطن السعودية-