أفهم أن تكون هناك أزمة سكن حادة في بعض الدول العربية التي تعاني من عجز مالي مزمن ونقص حاد في السيولة، أو في بلد ليس لديه الموارد الكافية لتمويل مشروعات سكنية وإقامة وحدات جديدة، وأفهم كذلك تفاقم هذه الأزمة في بلد ليس لديه الأراضي الصالحة لإقامة مباني وعقارات عليها، أو يصعب تزويد هذه الأراضي بالبنية التحتية.
وقد تتكرر الأزمة في بلد لا توجد لديه قوانين تنظم العملية العقارية وشراء وبيع وتملك السكن الخاص، أو لديه قوانين وتشريعات ومؤسسات تعرقل الاستثمار في السكن وتجعل كلفته عالية سواء للمشترين الراغبين في تملك وحدات سكنية، أو للمستثمرين والشركات التي تتولى إقامة مشروعات سكنية تناسب كل طبقات المجتمع.
ويمكن استيعاب وجود مثل هذه الأزمة في بلد لا يوجد به قطاع خاص تتوافر لديه الإمكانيات الفنية والمالية لإقامة الوحدات السكنية والإدارية وتلبية احتياجات المجتمع من السكن، أو بلد ليس لديه شركات عامة تابعة للدولة تفي بالغرض.
لكن ما لا أفهمه هو وجود أزمة سكن في السعودية من أبرز ملامحها نقص الشقق والوحدات السكنية وارتفاع أسعار الإيجارات، فالمملكة لديها كل الأدوات والامكانيات المادية والبشرية والفنية التي ترشحها لأن تكون من بين البلدان التي تختفي منها هذه المشكلة التي تواجه بلداناً عربية عدة منها مصر والجزائر وتونس والأردن والمغرب ولبنان.
السعودية لديها قطاع خاص قوي وشركات بناء وتشييد كبرى قادرة على إقامة ملايين الوحدات السكنية وليس فقط 150 ألف وحدة يحتاجها المواطنون سنوياً، أو تغطية عجز في السكن يصل حجمه الاجمالي لما يزيد عن 1.2 مليون وحدة سكنية.
والمملكة لديها قطاع مصرفي يعد الأقوى في المنطقة، وهذا القطاع لديه سيولة مالية ضخمة تقدر بآلاف المليارات من الريالات، وتخصيص 10% من هذه الأموال كفيل بإقامة مليون وحدة سكنية وليس فقط 130 ألف وحدة، كما أن لدى القطاع برامج قوية للتمويل العقاري تناسب مشترى الوحدات من معظم الطبقات.
وحسب الأرقام التي كشفت عنها مؤسسة النقد السعودي (البنك المركزي) أمس، فقد ارتفعت القروض العقارية التي منحتها البنوك التجارية في السعودية للأفراد والشركات لتتجاوز قيمتها 206.9 مليارات ريال بنهاية العام الماضي 2016، كما بلغت نسبة القروض الممنوحة للأفراد حوالي 110.6 مليار ريال، والشركات 96.3 مليار ريال.
ولدى المملكة مساحات شاسعة من الأراضي التي يمكن البناء عليها بما فيها المساحات البيضاء التي هددت الحكومة بسحبها من أصحابها غير الجادين في حالة عدم تنميتها، قد تكون الأراضي بحاجة لتزويدها بمرافق وبنية تحتية من طرق ومياه وكهرباء وصرف صحي واتصالات وغيرها. لكن لا أظن أن الدولة عاجزة عن القيام بهذا الدور خاصة مع المبالغ المالية المخصصة للسكن في الموازنة العامة.
ولدى السعودية أيضا صندوق التنمية العقارية الحكومي المتخصص في منح قروض لمشتري الوحدات السكنية، قبل أن يتم تحويله لمؤسسة مالية وتحويل طلبات الاقتراض المقدمة له للبنوك التجارية.
صحيح أن الصندوق شهد بطئاً شديدا في أنشطته على مدى السنوات الثلاث الماضية، لكن الأرقام تشير إلى توفيره أكثر من 773 ألف قرض، وشراء ما يقارب مليون وحدة سكنية جاهزة بقيمة أجمالية تتجاوز 299 مليار ريال (نحو 61 مليار دولار)، خلال أكثر من 40 عاما هي عمر الصندوق.
إذن ما أسباب المشكلة القائمة التي دفعت أعضاء بمجلس الشورى السعودي إلى توجيه انتقادات حادة لوزارة الإسكان على مدى اليومين الماضيين، بل واتهامها بالفشل في حل أزمة السكن، وبأن قراراتها الأخيرة كانت سلبية للمواطن، خاصة قرار تحويل مقترضي صندوق التنمية العقاري إلى البنوك التجارية، بل إن النائبة فاطمة القرني قالت: "إنها لا ترى من وزارة الإسكان أيّ إنجاز يسهم في الحد من تنامي الطلب على السكن، ولا توجد أي حلول واقعية".
المشكلة تكمن في أنه لا توجد لدى وزارة الإسكان خطة واضحة وطويلة الأجل لحل أزمة السكن المعقدة التي باتت تسبب حرجاً مستمراً للحكومة، خاصة وأن السكن من القضايا الجماهيرية المهمة، فقرارات الوزارة مرتبكة تجاه التعامل مع هذا الملف المزمن، ولذا تتعرض لانتقادات حادة ومستمرة من طالبي السكن.
كما تخلت الوزارة عن دور التنفيذ والتطوير للمشروعات السكنية خاصة التي تهم الطبقات الفقيرة، واختارت أن تتولى دور المنظم والمراقب، والحجة في ذلك هي منح القطاع الخاص الفرصة الكافية لتطوير المنتجات السكنية وإقامة الوحدات السكنية.
لكن القطاع الخاص في حاجة لدعم قوي من الدولة لانجاز مهتمه وهي توفير سكن للمواطن بأسعار معقولة، وهذا الدعم يتطلب حصول القطاع على قروض رخيصة وطويلة الأجل، وسداد الحكومة المديونيات الضخمة المستحقة عليه لهذه الشركات، وتوفير أراضي للمشروعات السكنية مزودة بالمرافق والبنية التحتية.
كما يتطلب الأمر إيجاد آلية لضمان القروض العقارية التي يتم منحها للموظفين الذين يواجهون صعوبات كبيرة في الحصول على هذه النوعية من القروض، ومن بين هؤلاء موظفي الشركات الصغيرة والمتوسطة الخاصة.
مصطفى عبد السلام- العربي الجديد-