بعض المشكلات الموجودة اليوم في مجتمعنا، مضى عليها عشرات السنين، وقد عُقدت من أجلها المؤتمرات والندوات، وشُكِّلت لها اللجان وفرق العمل، ونُوقشت في العديد من المجالس بمختلف المستويات، واتُّخذت من أجلها العديد من التوصيات، وتمَّ التحذير من أضرارها ومخاطرها، ومع ذلك فإن وضعها اليوم كما هو منذ عشرات السنين، ولم يطرأ بشأنه أيُّ تغيير أو تحسُّن، بل قد يكون وضع بعضها أسوأ ممَّا كان.
من هذه المشكلات الموجودة في بعض مدن المملكة مشكلة التعامل مع (مخالفي نظام الإقامة)، وهي من المشكلات القديمة، والتي تتمثَّل في وجود أفراد عاشوا بيننا، وانتشروا في بعض الأحياء، وقد يكون بعضهم ممَّن تخلَّف عن الحجِّ أو العُمرة، ثم استقرُّوا في بعض المدن وهم مخالفون للإقامة، وكوَّنوا أسرًا، وأصبح لديهم أبناء، وقد كبر الأبناء مع آبائهم، وواصلوا العيش بطريقة مخالفة للنظام، خصوصًا الأبناء الذين لم يعرفوا وطنًا لهم غير هذا الوطن منذ ولادتهم، ولكنَّهم فقدوا سبل العيش، فلا يمكنهم الحصول على تعليم، أو عمل، أو علاج، أو هوية، ومع ذلك فقد واصلوا الحياة بشكل غير نظامي.
بالأمس انتشر مقطع لسائقي دبابات ناريَّة، وهم يعتدون على رجل أمن بحي الحمراء بجدَّة، وقد بادر مستشار خادم الحرمين الشريفين أمير منطقة مكَّة المكرَّمة الأمير خالد الفيصل بسرعة القبض على المعتدين، وباشرت الجهات الأمنيَّة القبض على المعتدين، والتعرُّف على هويَّاتهم، وقد أشارت صحيفة «المدينة» في عددها الصادر بالأمس أنَّ بعض هؤلاء كان من (الأفارقة) المخالفين لنظام الإقامة، وقد استنكر واستهجن عدد من المتابعين ذلك الحادث، واعتبروا ما حدث مؤشِّرًا خطيرًا، كما اعتبروا بقاء مشكلة (وجود مخالفين لنظام الإقامة) كالقنبلة الموقوتة، والتي لم يوجد لها حل جذري منذ عشرات السنين، بالرغم من وجود العديد من المؤشِّرات التي تؤكِّد بأنَّ هناك خطرًا كبيرًا ومحدقًا قد يؤدِّي إلى نتائج لا يمكن توقُّعها إنْ لم نسارع بإيجاد حل لهذه المشكلة بطريقةٍ جذريَّةٍ.
المديريَّة العامَّة للجوازات قامت -مؤخَّرًا- بخطة من عدَّة مراحل للتعامل مع مخالفي أنظمة الإقامة والعمل، وبدأت بمهلة لمدة 3 أشهر مُنحت للمخالفين للمغادرة، وقد سبق هذه الحملة عدَّة حملات في الماضي، كما تمَّ إبعاد مئات الآلاف من المخالفين، غير أنَّ المشكلة تحتاج إلى معالجة جذريَّة من خلال مراجعة العديد من الأنظمة، كنظام الإقامة، والاستقدام، وتأشيرات الحجِّ والعُمرة، ... وغيرها من الأنظمة التي ترتبط بدخول الوافدين، إضافة إلى إيجاد حلول جذريَّة أيضًا لأولئك الذين وُلدوا (هم وآبائهم) على أرض الوطن، ومع ذلك لم يتم تصحيح وضعهم، ووضع عوائلهم بطريقة نظاميَّة؛ ممَّا جعلهم يعيشون حياة صعبة للغاية.
السكوت على المشكلات، وعدم المبادرة بمعالجتها بشكلٍ جذريٍّ أمرٌ يجب أن يتمَّ المسارعة لحسمه، وذلك في كافَّة المجالات، فبعض تلك المشكلات تتراكم بشكل خطير؛ ممَّا قد يؤثِّر سلبًا على المجتمع.
إبراهيم محمد باداود- المدينة السعودية-