تمر السعودية بأجواء اقتصادية غير مواتية منذ أزمة انهيار أسعار النفط في منتصف 2014، وثمة شواهد كثيرة على دلالات الأجواء السلبية من تراجع الاستثمارات الكلية (العامة والخاصة)، واتجاه المملكة للتوسع في الدين العام لسد الفجوة التمويلية، حتى اقتربت قيمة الدين العام من 100 مليار دولار، ويتوقع أن تزيد بأكثر من ذلك مع نهاية 2017.
وفي ضوء هذه الأجواء، تجاوزت معدلات البطالة بين المواطنين السعوديين نسبة 12%، ولا ينتظر في إطار برنامج المملكة للإصلاح الاقتصادي أن تتحسن معدلات التشغيل، لينخفض معدل البطالة عما هو عليه، إلا إذا تبنت الحكومة برامج تشغيل في إطار مؤسساتها العامة، أو توسعت في إقراض أصحاب المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر.
وقد يكون لجوء الحكومة السعودية لتوفير وظائف في مؤسساتها العامة صعب، لتعارضه مع توجهات برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي أتى في ضوء تقويمات صندوق النقد الدولي في أكتوبر 2016، حيث ترى هذه التقويمات أن هناك عمالة زائدة ووظائف غير حقيقية في المؤسسات العامة، وينبغي تحفيز القطاع الخاص لخلق فرص عمل جديدة، وأوصى الصندوق في تقريره بوقف التعيينات بالجهاز الحكومي.
ولا تعد الدعوة لتوطين الوظائف داخل منطقة الخليج، خاصة السعودية، حديثة عهد، لكنها دعوة متكررة كلما مرت المنطقة بأزمة مع انخفاض أسعار النفط. ويلاحظ أن ما اتخذ من خطوات في إطار مشروع توطين العمالة السعودية خلال السنوات الماضية كان بمثابة إجراءات روتينية لا ترقى لحل مقبول للمشكلة، إذ ما زالت العمالة الوافدة تشكل عماد قوة العمل في المملكة، وبخاصة في القطاع الخاص، وفي مجالات العمالة الماهرة والعمالة الفنية والحرفية.
ويسيطر المواطنون السعوديون على الوظائف الحكومية في البلاد. وحسب بيانات الهيئة العامة للإحصاء بالسعودية، فإن الوافدين يشكلون 55.2% من قوة العمل، وفق احصاءات الربع الثالث من عام 2016.
ومؤخرا نقلت "رويترز" عن مسئولين حكوميين عزم وزارة العمل السعودية زيادة عمل المواطنين بقطاعات اقتصادية معينة، في سبتمبر/أيلول 2017، من خلال برنامج "نطاقات"، الذي بدأ العمل به في 2001، وتهدف خطوة وزارة العمل من توسيع قاعدة العمالة السعودية إلى تقليل نسبة البطالة بين المواطنين إلى 9% بحلول عام 2020.
ويأتي إقدام الحكومة السعودية على التوسع في مجال توطين العمالة تحت وطأة الضرورة الاجتماعية، إلا أن الأمر ليس سهلا، وسوف يواجه بتحديات اجتماعية واقتصادية منها:
الضرورات الاجتماعية
تجد الحكومة السعودية نفسها أمام ضرورات اجتماعية، بسبب ارتفاع نسب البطالة من جهة، وكذلك زيادة الضغوط الاجتماعية المرتبطة بزيادة معدلات التضخم أو زيادة معدلات الفقر، نتيجة النهج الاقتصادي الجديد، بتخفيض الدعم الحكومي عن الخدمات العامة، وبخاصة في قطاعي الكهرباء والماء، بل قد تطاول هذه الخطوات رفع أسعار الوقود خلال الفترة القادمة.
وتمثل عمالة المرأة أحد التحديات الاجتماعية في السعودية، نظرا للعادات والتقاليد المرتبطة بعمل المرأة، وإن كان قد سمح مؤخرا بعمل المرأة في بعض القطاعات التي لم يسمح بها، مثل البيع بالتجزئة، لكن تبقى مساحات كبيرة من فرص العمل النسائية، تظل حكرا على الوافدات.
ولم تنجح السعودية بشكل كبير في تخفيض نسبة النساء العاطلات إلا من خلال التوظيف في قطاعي التعليم والجهاز الإداري للدولة، وهي قطاعات تعاني من تكدس، أو البطالة المقنعة. لكن يبقى تحرك الحكومة في توظيف النساء على المتعلمات، بينما هناك أميات من النساء بحاجة للحصول على فرصة عمل ولا يجدنها. ومع ذلك تظهر احصاءات عام 2016 أن الإناث الحاصلات على مؤهلات جامعية بالسعودية تصل نسبة البطالة بينهن لنحو 76%.
ووفق البيانات الاحصائية لعام 2016، بلغ عدد العاطلين السعوديين 693 ألف فرد، تستحوذ النساء على النسبة الكبيرة من هذا العدد بنحو 63.4%. ووفق الأرقام المنشورة بالتقرير الاقتصادي العربي الموحد لعام 2016، فإن نسبة الأمية بين النساء في السعودية بالفئة العمرية (15 سنة فيما فوق) قرابة 10%.
ولا يقتصر عبء البطالة والتداعيات الاجتماعية السلبية على النساء فقط، فهناك فئة الشباب، التي يصل بها معدل البطالة إلى 39% في الفئة العمرية (25 – 29 سنة)، كما ترتفع نسب البطالة بين غير المتزوجين، لتصل نسبتهم من بين العاطلين لنحو 63%.
هذه المؤشرات من شأنها أن توجه يد صانع السياسة الاقتصادية بالمملكة إلى المشكلات الاجتماعية الناتجة عن البطالة بين النساء والشباب، وبخاصة من غير المتزوجين، وما ينتج عنها من تداعيات سلبية.
التحديات الاقتصادية
تعول الحكومة السعودية في مشروع رؤيتها 2030 على دور كبير للقطاع الخاص، وبالتالي فالمعايير لدى هذا القطاع في ما يتعلق بالعمالة ستكون الكفاءة، بغض النظر عن كون هذه العمالة من الوافدين أو المواطنين، وفرض حصص معينة من العمالة الوطنية على شركات القطاع الخاص، سيجعلها تعاني من التحديات الآتية:
- عدم توفير العمالة المطلوبة لمهن معينة، مثل قطاع الإنشاءات، حيث لا يقبل السعوديون على مثل هذه المهن، والتي تعد في تصنيف العمالة الحرفية (الحداد، والنجار، والسباك، والكهربائي، ...)
- لم تتوفر القناعة اللازمة للقطاع الخاص بتوطين العمالة، ولذلك لجأ إلى ما يعرف بالتوظيف الوهمي، ثم يستعين بعد ذلك بالعمالة الوافدة.
- قد تجد مؤسسات القطاع الخاص مرونة في تعاملاتها مع العمالة الوافدة لا تجدها مع العمالة الوطنية، مثل تأخر الرواتب، أو تخفيض الرواتب في بعض الأوقات، أو تكليف العمالة الوافدة بأعمال خارج نطاق العقود المبرمة.
- يظل عقد العمل هو القيد الوحيد على القطاع الخاص تجاه العمالة الوافدة في مسألة الاستغناء عن العمالة، بينما مع المواطنين، قد تكون هناك التزامات أخرى يفرضها قانون العمل.
- في حالة السماح للاستثمار الأجنبي بممارسة دور أكبر في السعودية وفق متطلبات رؤية 2030، فسيكون معيار توطين العمالة أحد التحديات الكبيرة التي ستحاصر الحكومة، إذ سيكون اختيار المستثمرين الأجانب قائما على تحقيق مصالحهم، المتمثلة بشكل رئيسي في أعلى معدلات للربح، وليس المستهدفات الاجتماعية والاقتصادية للحكومة السعودية.
وهنا نجد سؤلا مهما يطرح نفسه هو: هل ستفكر الحكومة في وضع شرط توظيف العمالة الوطنية بنسب معينة لاستقدام الاستثمارات الأجنبية؟ أو أنها ستفكر في حوافز معينة لهذه الاستثمارات حتى تقوم بتفضيل السعوديين في شغل الوظائف بها؟
إجراءات قاصرة
المتابع للجهود المبذولة من قبل الحكومة السعودية نحو توطين الوظائف، يلاحظ أنها تكاد تقتصر على الجوانب الإجرائية، مثل إعطاء حوافز معينة للشركات التي تقوم بتوظيف السعوديين، بينما لم تظهر جهود ملموسة في تغير بنية قوة العمل السعودية لتتواكب ومتطلبات سوق العمل، مثل تطوير بنية المؤسسات التعليمية، وتغيير ثقافة المجتمع السعودي تجاه العمل، وبخاصة المهن الحرفية والفنية.
وثمة نقطة مهمة ينبغي الإشارة إليها، وهي أن السعودية شأنها شأن العديد من الدول العربية، وبخاصة الخليجية منها، لا تتمتع بحالة من المساواة في بيئة العمل في كل من القطاعين العام والخاص، وطالما بقي القطاع الحكومي والقطاع العام يحظيان بمزايا الاستقرار الوظيفي وبيئة عمل أفضل، فلن تفلح جهود الحكومة في تشجيع الأفراد على الالتحاق بالقطاع الخاص.
عبد الحافظ الصاوي- العربي الجديد-