مجتمع » ظواهر اجتماعية

القتل

في 2017/09/12

عبدالله بن بخيت- الرياض السعودية-

قبل حوالي أربعين سنة كان التلفزيون السعودي يقدم المواهب السعودية. برز من بين هؤلاء الأستاذ عبدالعزيز الهزاع والأستاذ حسن دردير والأستاذ سعد التمامي. لا أنسى قصة طريفة قصها الأستاذ سعد التمامي رحمه الله اذا كان ميتا وأطال الله في عمره إذا كان حيا. كانت قصة خفيفة دم وممتعة في زمانها. لم ادرك إلا مؤخرا ان تلك القصة كانت تعبر عن الأخلاق الرفيعة التي يتمتع بها أبناء ذلك الزمن.

كانت القطط تجوب مدينة الرياض. تسمع مواءها في الليل والنهار. في اغلبها قطط غير مستأنسة. تأذى منها أصحاب صنادق الحمام والدجاج المبنية في السطوح. كانت تستفيد من تصميم بيوت الرياض الطينية المتلاصقة. فتقفز من بيت إلى بيت وتسرق بيض وصغار الحمام والدجاج. يقول التمامي: ضج صاحب صندقة من احد هذه القطط. فوضع له كميناً واوقعه. ثم غمره في خيشة واخذه بالسيارة ليلقي به بعيدا عن البيت وعن الحارة كلها. ولكي يضمن تيهان القط قام قبل ان يطلق سراحه بتدوير الخيشة في الهواء إلى أن ضمن ان القط داخ وفقد حس الاتجاهات. اخرجه من الخيشة وأطلق سراحه. ولكن الرجل نفسه داخ مع الدوران وفقد حس الاتجاهات. لم يعد يعرف اين الشرق من الغرب. لكي يعود إلى الرياض اضطر أن يتبع خطى القط وهو يدعو الله أن يوفق القط ليعودا معا إلى البيت.

ارجو ان تكون القصة طريفة ولكن الموضوع ليس هنا. ما الذي منع الرجل من التخلص من القط بقتله. ولماذا لم يطرح مستمعو التمامي مثل هذا السؤال.

في ذلك الزمن (قبل الثمانينات) لا يمكن لاحد أن يفكر بالقتل بهذه السهولة. لا يوجد في تاريخنا في الرياض إلا ثلاثة حيوانات نقتلها عندما نصادفها. العقرب والحية والضاطور. العقرب والحية يشكلان خطرا صريحا على سلامة الناس ويجب التخلص منهما فورا اما الضاطور فثمة اعتقاد أنه يسبب تسمم الأكل. ( ملحوس) وبالتالي وجب قتله.

كانت روح الإنسان السعودي متوازنة مع فطرة الإسلام المتفقة مع الفطرة الإنسانية. لا تسمح لك هذه الروح إذا كنت مسلما حقيقيا أن تقتل أي كائن حي فضلا عن قتل البشر.

في الثلاثين سنة الماضية شنت حملات شرسة لتغيير أرواح الناس. أصبح القتل شيئاً عادياً. شاهدنا جميعا الاعتداءات الوحشية على الضببة. شاحنات محملة بآلاف من هذا الحيوان البائس. شاهدنا أيضا كيف يتعمد بعض الناس قتل الحيوانات البرية وشاهدنا كيف تعذب القطط. حتى روح الإنسان أصبحت رخيصة. نتذكر كيف تجرأ الإرهابي السعودي على قتل الأميركي ثم احتفظ برأسه في الثلاجة بكل اقتدار. أصبح من السهل اليوم أن تجد شبابا سعوديين على استعداد لتفجير أنفسهم في الآخرين. يسعد كثير من الناس إذا سمع أن إعصارا دمر مدينة أميركية أو فلبينية.

من يزرع ثقافة الموت والكراهية سيجني لذة القتل.