مجتمع » ظواهر اجتماعية

العنوسة

في 2017/10/06

 د. أنيسة فخرو د. أنيسة فخرو- الراي الكويتية-

ظاهرة العنوسة واضحة للعيان، لكن هل تُحل بالتعدد؟ البعض يدعو إلى تعدد الزوجات بهدف التقليل من العنوسة، وحججهم كالتالي:

* عدد الرجال، والحجة مردود عليها، لأن أغلب المجتمعات الطبيعية يتساوى فيها الذكور مع الإناث، باستثناء المجتمعات التي تتدخل فيها أيادي الشر الإنسانية لصنع الصراعات الداخلية الطائفية والحروب الخارجية، التي تكون ضحيتها الشعوب.

من يصنع الحروب؟ أليس الرجال؟ وعلى النساء وحدهن أن يتحملن وزرها، ليتزوج الرجل العديد من الزوجات.

* الحجة الثانية: إن طباع النساء تختلف من واحدة إلى أخرى، فإذا لم يجد الرجل المواصفات المطلوبة في الزوجة الأولى يتزوج الثانية، وإن لم يجدها في الثانية يتزوج الثالثة وهلم جرا!

ويتناسون ان طباع الرجال تختلف من رجل إلى آخر أيضا، فماذا تفعل الزوجة إن وجدت زوجها لا يتناسب تماما مع طباعها ولا أخلاقها؟

القرآن وضع شروطا للتعدد أهمها: أن تكون الزوجة الأولى مريضة مما يمنعها من القدرة على تلبية الحقوق الزوجية الشرعية للزوج، أو إذا كانت المرأة عاقراً لا تستطيع الإنجاب، كما وضع شرط موافقة الزوجة الأولى للاقتران بالثانية.

والأهم ان القرآن الكريم وضع الشرط الأساسي للتعدد، ألا وهو العدل، لكن من يطبقه؟ كاذب من يدّعي أنه يعدل، لأن النص القرآني يقول صراحة «ولن تعدلوا ولو حرصتم».

التعدد سلبياته أكثر من إيجابياته، ولقد تم تفسير الآية الكريمة المعروفة بصورة تتناسب مع رغبات وأهواء الرجال، وخاصة رجال الدين، الذين أغلبهم لديهم أكثر من زوجة، وبعضهم يحلّ لنفسه أن يتزوج ويطلق عشرات المرات.

أيضا من أسباب العنوسة غلاء المهور، ونحن ضد ذلك، وضد البذخ والتباهي بالمتطلبات التي تفرضها أسرة الزوجة، وكأن ابنتهم بضاعة يتم التفاصل في قيمتها، مع ان العديد من الأسر الخليجية يهمها الإنسان عند اختيار الزوج لابنتهم وليس المال، لكن للأسف هناك أيضا بعض الأسر التي تعتبر الزواج صفقة تجارية!

* والحجة الثالثة بقولهم إن الرجال المتزوجون في الغرب يمارسون التعدد بالحرام ولديهم عشيقات، وحتى النساء المتزوجات لديهن عشاق، لذا فإن التعدد أمر واقعي ومطبق في الغرب قبل الشرق.

ويتناسون ان في الغرب أيضا هناك آلاف الزيجات الطبيعية التي ليس بها خيانة، كما في الشرق، وذلك مرهون بوعي الطرفين، لكن في الغرب الحقوق متساوية تماما بين الرجل والمرأة، وكلاهما يُعامل قانونيا كإنسان، فلا تمييز في الجنس أو العرق أو الدين.

المجتمع الغربي يحترم الحرية في الرباعية الطبيعية: الأكل والشرب والنوم والجنس، وهذه الحرية مقرونة بالمسؤولية، أي أنه على كل فرد أن يمارس حريته بشرط ألا يتعدى على حرية الآخرين، أما المجتمع العربي فالإنسان ليس حرا حتى في مأكله ومشربه، والتمييز واضح وعلني، والقانون لا يطبق على الجميع للأسف، لأن هناك بشر فوق القانون، ويمكنهم أن يتعدوا على حريات الآخرين بلا حسيب ولا رقيب.

* والبعض يطرح أن تعدد الزوجات ستر للفتاة، والحقيقة إن القرآن لم يُسمي الزواج سترا، بل مودة وسكن ورحمة، فإذا الرجل لم يرحم زوجته الأولى ويتودد إليها وتسكن إليه وتشعر بالأمان عنده، فهل سيفعل ذلك مع الزوجة الثانية؟

نقترح بعض الحلول، مثل: تشكيل إدراة حكومية مسؤولة عن المشكلات الأسرية، بحيث يستطيع أي مواطن ومواطنة اللجوء إليها.

أثناء الحرب العراقية - الإيرانية، سن النظام العراقي آنذاك قانونا يشجع الزواج من أرامل الشهداء وتتكفل الدولة بكل شيء، وتوفر الدولة للزوج العربي تسهيلات الإقامة والعمل.

التشريعات والقوانين يمكن أن تساهم في حل جزئي لمشكلة العنوسة، كما فعلت بعض الدول، مثل قطر والإمارات وعمان، وذلك بتقديم هبة أو قرض حسن من دون أرباح للمقبلين على الزواج من الطرفين.

لكن بعض الدول تعاني من أوضاع اقتصادية متردية بسبب الفساد والسرقات، وميزانيتها مختلة ولا يمكنها تطبيق مثل هذه التشريعات، لأنها تشكل عبئا إضافيا عليها، فالأولوية بالنسبة لهم ليس المواطن، بل القلة القليلة التي يجب ألا تفقد أي امتيازات، وتعيش على حساب معاناة الشعب.

نحن مع الزواج الأحادي، وأي رجل غير سعيد في حياته الزوجية من الأفضل له ولزوجته وأسرته أن يتم الانفصال، بشرط أن يُلزم فعليا بالإنفاق على أطفاله، ثم يستطيع أن يتزوج ممن يرغب في ما بعد، والزوجة أيضا تقترن بمن تريد.

وحتما ان تعدد الزوجات لا يساهم في حل مشكلة العنوسة، لأن الوضع في اليمن والعراق وسورية على سبيل المثال، وكل الدول التي تعاني من الحروب والفقر، أصبحت فيها نسبة الرجال أقل من نسبة النساء كثيرا، فكل عشر نساء يقابلهن رجل واحد، فهل على كل رجل أن يقترن بعشر نساء لكي يحل المشكلة؟

البعض يقترح فرض ضريبة رمزية مثل خصم دينار واحد من العاملين في جميع القطاعات لمصلحة القضاء على العنوسة وتزويج الشباب العاجزين عن توفير التكاليف، وهذا يكلف الدولة أقل من كلفة بدل التعطل وفائدته أكبر، والحقيقة إننا ضد فرض رسوم أيا كانت على المواطن، فلماذا يتحمل المواطن أخطاء النظام في الفساد والسرقات والتمييز؟

ونعتقد ان علينا العمل أولاً على حل المشاكل الأساسية المتمثلة في الفقر والجهل والفساد والحروب، ومن بعدها تُحل مختلف المشكلات الثانوية بشكل تلقائي.