مجتمع » ظواهر اجتماعية

الثعابين تنهش المملكة

في 2018/01/24

فؤاد السحيباني- خاص راصد الخليج-

يمر الاقتصاد في المملكة بفترة مأزومة، تحتاج لإصلاح حقيقي يعبر الأزمة، وليس إصلاحًا كرنفاليًا يصلح للتسويق عبر الشاشات، ولأن الإصلاح إذا ما غُيبت عنه العدالة صار تغييرًا في الشكل دون المضمون، فمن المهم مشاركة كل الفئات في دفع أثمان الانتقال إلى عصر "النفط الرخيص"، وتحول العالم عاما بعد آخر إلى مصادر بديلة، ستترك موازنة المملكة في مهب ريح عاصف.

من المنطقي أن يتحمل دفع فاتورة تحول المملكة إلى عصر ما بعد النفط أكثر من حصلوا على مميزات عصر النفط، هذا ما يقتضيه الحال الصعب، ويتطلبه المستقبل الغائم، فموازنة المملكة تغوص عامًا بعد عام في مستنقع من العجز، يتعزز ويتعمق بالإصرار على استمرار استنزاف الإيرادات المتراجعة لسد مصاريف هائلة، وعلى رأسها إقامة بنية لازمة لصناعة متطورة، قد تتمكن يومًا من النمو، ومن ثم، قيادة الاقتصاد للأمام، فضلًا عن حرب اليمن، التي تحولت في عامها الثالث من حرب في اليمن إلى حرب داخل المملكة.

تبدأ أزمة النفط السعودي منذ إنشاء العملاق "أرامكو"، في العام 1948، كمجمع لشركات النفط الأمريكية العاملة بالمملكة، وما تبع تاريخ التأسيس من وجود شخصية فارقة، هو الدكتور عبدالله الطريقي، الذي أثبت دور الفرد السعودي في كتابة تاريخ مغاير، وأسهم في استفادة المملكة من بترولها، وتقاسم عوائد الإنتاج بصورة متساوية مع الأمريكي.

لعب "الطريقي" دورًا مهما ومحوريًا في إجبار "أرامكو"، بملكيتها الأمريكية وقتها، في دفع حصة 50% من عوائد الإنتاج إلى المملكة، رافعًا شعار "نحن أبناء الهنود الحمر الذين باعوا مانهاتن، ونريد تغيير الصفقة"، في إشارة إلى قيام المستعمر الأوروبي بخداع السكان الأصليين، وشراء جزيرة مانهاتن مقابل 60 جيلدر هولندي!.

أعاد وزير النفط الأول، أو كما يُلقب بالبترولي الفقير، عوائد النفط إلى المملكة، ليفاجأ بأنها تذهب –في أغلبها- إلى قصور الأمراء بالرياض، ووقف في مجلس الوزراء ليهاجم "كمال أدهم" صهر الملك الراحل فيصل، ويتهمه بأنه يحصل على عمولات من شركات يابانية، لقاء صفقات "مريبة".

وكانت النهاية للرجل الوطني، دفع ثمن شجاعته، وعاش ما تبقى من عمره منفيًا بين القاهرة والكويت وبيروت، حتى عاد بعفو من الملك الراحل فهد.

أثار الرجل سكان جحر الثعابين، الذي يبتلع منذ عقود طويلة عوائد النفط، وهدد بفضح ما هو مسكوت عنه، وأثبت ببعد نظره الأزمة التي نعانيها اليوم، من تبدل الأحوال، ومن انتشار الفقر، حتى أن أحد "بنك الرياض" نشر صورًا لمنسوبيه، خلال حملة توزيع "كسوة الشتاء" للمحتاجين هذا العام، ويقدر عدد الفقراء بمناطق المملكة نحو 20% من عدد السكان، ممن تمضي حياتهم في بيوت طينية، معدومة الخدمات، بعد 85 عامًا من بدء استخراج النفط.

ونظرة واحدة على الأرقام الرسمية المعلنة، كفيلة بسيطرة القلق على حاضر المملكة، حيث سجلت موازنة 2015 عجزًا ضخمًا قيمته 367 مليار ريال، ولم تفلح الأرقام الفاضحة في حث المخططين الاقتصاديين على التفكير والتروي في قراراتهم، لنشهد تنامي المصروفات، وبالتالي استمر العجز في أكل الموارد المتراجعة أساسًا، ودخلنا إلى العام 2016 محملين بعجز من العام السابق.

ولجأت الحكومة خلال 2016 لتمويل العجز المتوقع عن طريق السحب من الاحتياطي، وإصدار أدوات دين تشمل الصكوك والسندات، إضافة إلى لجوئها للاقتراض، وأدى سحب نحو 180 مليار ريال خلال 2016 من الاحتياطي العام، إلى تراجع الاحتياطي بنسبة 28%، ليبلغ 474 مليار ريال بنهاية أكتوبر/تشرين الأول 2016، فيما كان نحو 654 مليار ريال نهاية 2015.

وفي 2017 استمرت وتيرة العجز، ليسجل عجز الموازنة بالنصف الأول من العام المالى نحو 72 مليار ريال، في إشارة لفشل جهود ولي العهد لضبط الموازنة، رغم فرض  ضرائب ورفع أسعار المحروقات، والرسوم الجديدة المفروضة على الخدمات العامة، وخطط التقشف غير المسبوقة على المواطنين والوافدين.

وثائق "ويكيليكس" كشفت جانبًا من أزمة النفط السعودي، مخصصات الأمراء، التي تتزايد عامًا بعد الآخر، وتتوسع مع الأجيال الجديدة من العائلة المالكة، وتترسخ بفعل شراء الولاءات، التي دفعت بولي العهد الحالي إلى طريق العرش، بعد أن أزاح من طريقه كل من الأميرين مقرن بن عبدالعزيز، ومحمد بن نايف، على الترتيب.

الوثائق التي نشرتها "ويكيليكس"، تعود إلى برقيات السفارة الأمريكية بالرياض عام 1996، بعنوان "ثروة العائلة المالكة السعودية: من أين لهم كل هذه الأموال"، تقدم صورة تفصيلية عن كيفية عمل نظام المحاباة الملكي السعودي، تبدأ الوثيقة بجملة: :الأمراء والأميرات السعوديون، الذين يقدّر عددهم بالآلاف، يُعرفون بثرواتهم الضخمة والميل إلى تبديدها".

وتتابع الوثيقة السرية: "الآلية الأكثر شيوعاً لتوزيع الثروة في السعودية على الأسرة الحاكمة هي تلك الرسمية، استناداً إلى الميزانية التي تقرر رواتب شهرية لأفراد أسرة آل سعود،  وبحسب وزارة المالية، أو "مكتب القرارات والقواعد" الذي يعمل بمثابة مكتب الرفاهية لأفراد الأسرة الحاكمة، يتراوح الراتب الشهري بين 800 دولار شهرياً لأصغر عضو في أبعد فرع من العائلة، و200 ألف إلى 270 ألف دولار شهرياً لأحد أحفاد أبناء عبد العزيز بن سعود، أما أبناء الأحفاد، فيحصلون على نحو 13 ألف دولار شهرياً". بالإضافة إلى العلاوات التي تقدّم للزواج وبناء القصور.

ووفقا للوثيقة يقدر بأن هذا النظام يكلف البلاد التي كانت ميزانيتها 40 ملياراً في ذلك الوقت حوالي 2 مليار دولار سنوياً، وتبدأ المرتبات منذ الولادة وهو ما يعطي حافزا كبيرا لأفراد العائلة المالكة للإنجاب.

انتهى الكلام المنقول من ويكيليكس، والذي قاله سابقًا الوزير "الطريقي"، الإصلاح والمستقبل لن يتم في بلد تتضخم كروش مسؤوليه، ويعاني مواطنيه الآمرين في سبيل الحصول على الحاجات الأساسية.