فيصل العساف- الحياة السعودية-
بداية، أجد من المناسب تأكيد حقيقة مهمة، وهي أننا جميعاً- بصفتنا سعوديين- مع القرار الذي سيرشح لدى الدولة في ما يخص ملف التجنيس.
لكن، حتى ذلك الحين، وانطلاقاً من الإسهام في إبداء الرأي، فإنني أميل إلى التمسك بالأنظمة المتعلقة بهذا الموضوع، ما دامت لا تقف حجر عثرة أمام التطور المنشود، بخاصة أن التجنيس في شكله المطروح- تحديداً- ليس العصا السحرية التي ستمكن السعودية من اقتحام مصاف الدول المتقدمة. لهذا، فأنا لا أخفي تحفظي على انتهاك «حصانة» جنسيتها، بفتح الباب على مصراعيه لكل من «هب ودب»، فقط لأنه مولود على أرضها، أو بحجة أن أمه مواطنة، ترفع اليوم شعار المساواة بالرجل في وجه الرافضين، في محاولة لفرض «أمرها» الواقع، وكأنها لم تكن تعلم قبل إقدامها على خطوة الزواج من غير سعودي بضوابط منح أبنائها الجنسية! مع تأكيد الاحترام الكامل لرأي المخالفين، وإن كان في النفس شيء أوصد الباب تجاه حسن الظن في قسم منهم، تبعاً لأحداث تخص قضايا الوطن المصيرية، لم تكن مواقفهم منها مشرفة على الإطلاق.
على كل حال، وأمام هذا السيل العارم من التجاذبات التي تتناول التجنيس، باعتباره قضية القضايا، فإن لسائل أن يسأل عن السبب الذي أيقظ المطالبين من سباتهم في هذا الوقت تحديداً، وفي شكل متزامن مع حملات إعلامية خارجية مناهضة، اتخذت منه بيدقاً للنيل من السعودية! وعن علاقة التوقيت بالمتغيرات التي طرأت لتؤثر في مجملها في الداخل، بدءاً من فرض الرسوم على مرافقي الأجانب، مروراً بالتطورات الاستراتيجية والإصلاحات الكبيرة التي تشهدها الدولة في شكل عام، ووصولاً إلى الأحداث السياسية المصاحبة. هذه الأسئلة وغيرها، يتم استحضارها نظراً إلى الظرف التاريخي الدقيق الذي تمر به منطقتنا في شكل عام، والسعودية بخاصة، إذ كان من المفترض أن تساهم تلك الإرهاصات في ترحيل الجدل في شأن ملف التجنيس إلى ذيل قائمة الأوليات، لو خلصت النيات.
ما حصل عكس ذلك تماماً، إذ شكل المطالبون ما يشبه «اللوبي» الذي يرفع قميص المظلومية بحجة «العنصرية»، في حين أنه يحاول إقصاء رأي مخالفيه بادعاء جهلهم وتخلفهم، وقصورهم عن تصور بواطن الحقوق! يحاول القائلون بالتجنيس حرف الانتباه- تبعاً، في ما يبدو، لمصالحهم الخاصة- عن منطلقات الفريق الآخر، سواء أكانت اقتصادية أم سياسية، إلى درجة جعلت بعضهم يقارن بين المد الصحوي الذي انحسر بالوعي المجتمعي والوقفة الحكومية الحازمة، وبين الرافضين، وكأن المريب هنا يقول «خذوني»، فالمطالبون وتجار الصحوة، تجمعهم فكرة نبذ الأوطان وخصوصيتها وحق أهلها في تقرير شؤونهم ومصيرهم!
السعودية ليست أرضاً بلا شعب، إذ يزيد عدد السعوديين على الـ20 مليوناً، غالبيتهم من الشباب. وأصوات المنادين بتشريع التجنيس لم تطرحه- حتى يمكن قبوله- على أساس استقطاب الكفاءات أو النخب التي يمكن أن تضيف إلى الدولة، وإنما على هيئة حقوق يتم انتزاعها من طريق تكرار «الدق»، في الوقت الذي تشكل البطالة هاجساً يشغل بال جميع المخلصين، بمن فيهم الحكومة، التي تسعى جاهدة نحو حلم رؤية 2030، من خلال سن القوانين التي تكفل تجاوز ذلك بجدارة، وصولاً إلى تحقيق الطموحات الجريئة المرجوة. وحتى ذلك الحين، فإن السعودية ينبغي أن تكون للسعوديين، وعلى المطالبين بالتجنيس مراعاة فارق «المخططات».