مجتمع » ظواهر اجتماعية

إيمان ولي العهد السعودي بحقوق اسرائيل

في 2018/04/13

نهلة الشهّال- السفير العربي-

القدس هي أكبر الطاولات التي وافق محمد بن سلمان على قلبها ليكسب رضا ترامب. يمنحها للإسرائيليين بلا عناء، فهي لا تعني له شيئاً كما لا تعنيه كل فلسطين، أو سواها أصلاً. حول بيدق الشطرنج الخطر هذا.

"وهي أرضها، ويحق لشعبها العيش عليها بسلام". ايمان ولي العهد السعودي (كما أسماه) خرج من دواخله الى العلن خلال زيارته لواشنطن.

محمد بن سلمان ذاك، وُلد وعاش مدللاً معزولاً عن الدنيا إلا مُتعها يشتريها بايماءة من جفنه. وحين صارع، فلكي يصبح ولياً للعهد قافزاً فوق الترتيب المفترض لمن هم أحق منه بالولاية وبالمُلك.

ولأنه مدلل ولم يعتد الحسابات التي كانت تحكم ممارسة السلطة في العرش السعودي، فقد استسهل جمع 200 من الامراء الكبار ورجال الاعمال في سجن وإذلالهم وإبتزازهم، بل والتخلص ممن يشاء.

وهو احتقر الضوابط الصارمة - ومنها تلك الخاصة بالتوازنات كجزء من منظومة كاملة في إدارة السلطة والمجتمع - التي حكمت المملكة منذ نشوئها، بالخفة نفسها التي قفز بها من فوق رؤوس أقرانه الأوَلى منه والأخبر بشؤون السياسة والحياة، في ما يبدو كإعلان عن نهاية مرحلة من تاريخ السعودية.

وبمقابل ذلك احتمى MBS (مختصر اسم الأمير السعودي) ببضعة اجراءات للتخفيف من القيود الاجتماعية التي كانت تنتمي فعلا لزمن ولّى، ما لاقى خصوصاً تأييد قطاع من الشبيبة في البلاد. وهو يحتمي بخطاب وحيد الجانب، أعمى، يؤجج العداء إقليميا. نقطة وكفى. وعلى هذه وتلك، فهو يستمع الى نصائح ولي عهد الامارات، محمد بن زايد، الذي يكبره سناً بعقود، ويبدو أكثر دهاء منه بكثير.

وهذا لديه "طموحات" ستفاجئ السعودية بناسها وأمرائها، إذ يُدرك MBZ (مختصر اسم ولي العهد الاماراتي!) أن الحكم قد بني تاريخياً على الغَلبة في هذه الامارات والممالك ــ بما فيها أكبرها أي السعودية نفسها ــ وأنه لا يدوم إلا وجه الخالق.

وأن الهرم والنخران قد بلغا لدى جارته الكبرى مبلغاً عظيماً بينما هي بلاد "حقيقية" تقوم على مكونات إجتماعية ومناطقية ومذهبية متنوعة، وليست "خيمة فوق بئر نفط" ولا ناطحة سحاب تأوي رعاعاً من كل الدنيا وإن تحت عنوان رجال أعمال وبورصات وقطاعات أخرى مما هب ودب.

وقد قيل في آخر بورتريه رُسم للأمير الشاب "الطموح" أنه "يجيد التعلم من نجاحاته ولكنه يجهل التعلم من أخطائه"، وهنا "الخطر" بحسب مسؤول أميركي سابق نقلت عنه صحيفة نيويوركر الامريكية.

ويبدو أن MBS يظن أنه "صديق" جاريد كوشنر، صهر الرئيس ترامب الذي كان مكلفاً بحل المسألة الفلسطينية، وبلور "صفقة القرن" مع ولي العهد السعودي، بل أنه "وضعه في جيبه" بحسب ما قالت الصحيفة أنه تباهى به خلال رحلته الأميركية التي استغرقت أسبوعين وليس أقل، بينما تصف الصحيفة ذاتها كيف قررت الادارة الأميركية "صناعة" الملك السعودي المقبل.

والادارة هنا مؤلفة من صقور الحرب، ومن اشخاص مثل ستيف بانون الذي سبق له أن ساهم بصناعة ترامب نفسه الى أن قرر الرئيس تحجيمه لصالح من هم أبشع منه ربما، مستعيداً امثال مايك بومباو كوزير للخارجية وصولاً الى جون بولتون كمستشار للامن القومي.

وبانون ذاك هندس على ما يبدو عقاب قطر لمصالح شخصية تخص كوشنر ذاك الذي اختلفت عائلته مع المستثمرين القطريين حول شراء عقار في نيويورك.. الى آخر قصة تجري مثيلاتها في أفلام المافيا فحسب.

ومنها مقطع يصف كيف قام بانون بذلك، وهو كان يدير (SCL Group) الشركة الام لِما ولّد "كامبريدج اناليتيكا" (التي انفجرت مؤخراً فضائح عالمية عدة تخص تنظيمها الخفي للاخبار المتداولة على وسائط التواصل الاجتماعي بغاية التأثير على سير احداث كبرى). والشركة أميركية موطّنة في الامارات.. هل ما زلتم تتابعون؟؟

لماذا "إختاروا" محمد بن سلمان؟ لأنهم قرروا أن عليهم التخلص من حالة الجمود المستقر (الستاتيكو) "غير المنتجة" القائمة في الشرق الاوسط، ويلزمهم من هو من الرعونة أو من الاستقتال على الربح (بكل معانيه ومجالاته) بحيث يكون مستعداً لقلب كل الطاولات بلا حساب.

أكبر الطاولات هي القدس. وهذه وافق بن سلمان على منحها للإسرائيليين بلا عناء، وهي لا تعني له شيئاً كما لا تعني له فلسطين شيئاً بالمطلق، لا كـ"قضية" ولا حتى كشعب..

فلو كان ذلك يحقق ما يحلم به من وضع أميركا "في جيبه" لتُقاتِل إيران في حرب فعلية، لأصبح هو ملك هذا الركن من الكون، كما كان يحدث معه في ألعاب الفيديو الحاسوبية الحربية التي كان - ما زال؟ - مولعاً بها وهو صبي. وأما الكلفة فلا تهمّ، بدليل ما يرتكبه في اليمن كنموذج مصغر لأحلامه الحربية.

"حسن حظ" MBS (ومعه MBZ لأسباب أخرى حيث هو يسجل اليوم أرباحاً بلا مقابل في اليمن والقرن الافريقي الخ.. ويغذّي أحلاماً مستقبلية من طبيعة داهية) ان زمنه تصادف مع وجود نتنياهو في السلطة ومع التغير العميق المستقر في من هي إسرائيل اليوم، أوصافها وصفاتها الملائمة له.

وتصادَف مع ترامب المضارب والمقامر رئيساً. ولولا ذلك لما أمكن له الوصول الى ما وصل إليه وما يليه.

لكن هل هي مصادفة حقاً؟ ألسنا نشهد تحقق أفظع سمات النيوليبرالية المهيمنة، ما كان يُعتبر "أعراضاً مرضية جانبية" لها يبدو أنها يمكن أن تلتهم كل شيء.