أحمد الواصل- الرياض السعودية-
يحقق مسلسل «العاصوف»، في جزئه الأول 2018 (تأليف: عبدالرحمن الوابلي، إخراج: المثنى صبح)، المعروض في MBC الكثير من المكاسب، أولها إعادة التفكير في ممارسات السلوك الحزبي السياسي التنظيمي والإداري، ومظاهر التدين، إلى جانب التربية والتثقيف لا الغريزة، وذلك لمرحلة باتت من الماضي ولا تعرف الذاكرة سوى الوهم عنها. ثانياً، الإقرار بمرحلة درامية سعودية تتجاوز التأسيس والفجوات المرحلية، ظاهرة لا تقف عند فن الدراما بل تطال مختلف الفنون والآداب السعودية. ثالثاً، أن فن الدراما من جهة، ووسيلة النقل أي محطة فضائية عابرة القارات من جهة أخرى مكّنت تحدي الرقابات الاجتماعية وإحراج أو رفع العتب على الرقابة الإدارية.
ظلت الدراما الإذاعية والتلفزيونية السعودية، مع تعثر بدايات المسرح، وموسمية مهرجاناته الخارجية، تتعامل مع موضوعاتها تحت مفهوم الكفاف، في الكوادر والإمكانات، وحواجز الرقابتين الاجتماعية والإدارية، وقبلها رقابة الممثل نفسه، وصراعه بين جدلية الواقع والخيال مقابل مهددات الارتياب والتوجس من المتلقي الواهم بأنه المقصود أو المذموم!.
ويوازي ذلك فجوات مستمرة أو تجارب منقوصة، في حقول الآداب والفنون، على الأخص، الرواية والقصة القصيرة، والمسرح، على أن بعض انعكاسات الأحداث السياسية، تلقي بظلالها على المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية، ويحاول حقل الثقافة من خلال عناصره الأدبية والفنية التعبير بحسب شخصية المبدع وتطلعاته!. وذلك تبعاً إلى تلك المواهب وثقافتها وخبراتها، وطموحاتها وإمكاناتها.. إذ أبدى المبدعون والمبدعات في عقد التسعينات، من القرن الماضي، عن تحولات واضحة، ليس في المجتمع، بل في طرق التعبير الأدبي والفني، وهذا ما بدأت ملامحه في إطلاق سلسلة «طاش ما طاش» 1993 - 2011.
إذا كان قد حفل عقدي الخمسينات والستينات في علو صوت الشعر والمقالة الصحفية، وذلك لفرص كبرى أتاحتها الصحف من جهة، وبرامج الإذاعة من جهة أخرى على تبدي حقول الرواية والدراسات التاريخية مع مرحلة جمع وتدوين التراث الثقافي المعنوي. فإن عقد التسعينات الذي ظهر فيه «طاش ما طاش»، بوصفه نقداً سلوكياً للمجتمع السعودي، جرّأ مبدعين للدفع بمذكراتهم وسيرهم الذاتية، بعضها وضع بمسمى رواية رفع حرج، مثل: عزيز ضياء وغازي القصيبي وتركي الحمد.
ولأكثر من عقدين حققت الرواية السعودية، بين ما كان فائضاً اجتماعياً وانتهى، وتراكم إبداعياً، ويتصل بـ «العاصوف» وموضوعاته، لم تتمكن الرقابة الاجتماعية سوى من الصدمة ولا تدفعها.
انتقم العاصوف من الرقابات، التي واجهت الروايات والدواوين والقصص، وتكدست في مخازن مغبرة، بينما تسللت حلقاته عبر الشاشات الكبيرة والصغيرة، رسالته بسيطة: تصالحوا مع أنفسكم!.