مجتمع » ظواهر اجتماعية

"السعودة" تفشل والبطالة ترتفع.. إلى أين يتجه اقتصاد المملكة؟

في 2018/07/12

الخليج أونلاين

لم تنجح السعودية بعد مرور أكثر من عام على إطلاق خطتها لسعودة الوظائف، في تحقيق أهدافها المرتبطة برفع نسب العمالة المحلية في الشركات العاملة في البلاد، وخفض نسبة البطالة بين المواطنين التي ارتفعت 12.9%.

ويعكس فشل الخطة السعودية لتوطين العمالة الخلل القائم في المنظومة الحكومية للمملكة، وفي بنية المجتمع ونظام التعليم، فمئات الآلاف من العمالة الأجنبية رحلوا عن البلاد، لكن حتى الآن لا يوجد بديل محلي مؤهل لهم.

هذا الأمر دفع بوزارة العمل السعودية لدراسة مقترح التراجع عن قرارات "السعودة" لـ12 نشاط ووظيفة، وذلك لصعوبة إيجاد الكفاءات السعودية المناسبة لها، حيث من المقرر تخفيض نسب التوطين في تلك الوظائف من 100% إلى 70% سبتمبر المقبل.

ومنذ العام الماضي، فرضت المملكة تحديات متصاعدة على العمالة الأجنبية تمثلت بإقرار رسوم إقامة مرتفعة عليهم وعلى أفراد أسرهم، ومنعهم من العمل في عدة قطاعات رئيسية، علاوة عن موجة ارتفاع أسعار السلع والوقود وإيجارات العقارات التي شهدتها البلاد، بسبب سلسلة ضرائب جديدة أقرتها الحكومة السعودية.

-ارتفاع معدل البطالة

وبحسب تقرير نشرته الثلاثاء (10 يوليو 2017)، وكالة "بلومبيرغ" الاقتصادية الأمريكية، فإن عدد العمال الوافدين للمملكة تراجع بنسبة 6%، في الأشهر الثلاثة الأولى من العام الحالي، مقارنة مع أعدادهم في الربع الأول من العام الماضي.

وأفادت بيانات الهيئة العامة للإحصاء في السعودية، المنشورة في 7 يوليو الجاري، أن نحو 785 ألف موظف أجنبي من القطاع الخاص غادروا البلاد خلال الفترة من يناير 2017 وحتى نهاية مارس 2018.

وذكرت البيانات أنه رغم رحيل هذه الأعداد الكبيرة من العمال الأجانب، إلا أن البطالة في المملكة ارتفعت مرة أخرى في الربع الأول من 2018، لتكون الأعلى على الإطلاق خلال التسعة عشر عاماً الماضية.

وأظهرت بيانات هيئة الإحصاء أن معدل البطالة في الربع الأول من 2018 وصل إلى 12.9%، مقارنة بنسبة 12.8% في الربع الأخير من 2017، و12.3% في الأشهر الثلاثة الأخيرة من العام 2016.

وبحسب البيانات نفسها، فقد تراجع عدد الموظفين الأجانب في المملكة إلى 7.71 مليون فرد نهاية الربع الأول من العام الجاري، مقابل 8.495 ملايين نهاية 2016، في المقابل صعد عدد الموظفين السعوديين إلى 1.76 مليون فرد، مقابل 1.68 مليوناً في 2016، بزيادة محدودة بلغت 80 ألف وظيفة فقط.

-نظام فاشل

وإضافة إلى أرقام البطالة، فإن أهم ما يعكس فشل نظام السعودة إعلان وزارة العمل السعودية، في 10 يوليو 2018، أنها تدرس خفض نسبة توطين العمالة في 12 نشاطاً، مزمع توطينها اعتباراً من سبتمبر المقبل من 100% إلى 70%.

وأشارت الوزارة، في بيان لها، أن ذلك يأتي في ضوء مؤشرات تعطل العمل في مجالات كثيرة تعتمد على العمالة الأجنبية ويفتقد السعوديون مهارات العمل فيها.

وتضم الأنشطة منافذ البيع في محلات الساعات، والنظارات، والأجهزة والمعدات الطبية، والأجهزة الكهربائية والإلكترونية، وقطع غيار السيارات، ومواد الإعمار والبناء، ومنافذ بيع السيارات والدراجات النارية.

وفي تقرير نشرته وكالة "بلومبيرغ" ذكرت أن معظم العمالة الأجنبية التي غادرت السعودية كانت تعمل بقطاعات الإنشاءات والتجارة والصناعة، مشيرة إلى أن هذه القطاعات تعرضت لخسارة كبيرة بسبب عدم وجود بدائل محلية مؤهلة.

وبحسب وسائل إعلام سعودية بينها صحيفة "عكاظ"، فإن العديد من محلات تأجير وبيع السيارات ومتاجر المجوهرات والذهب ومواد الإعمار والبناء، أغلقت أبوابها بسبب نقص العمالة الأجنبية وعدم وجود عمالة محلية مناسبة.

وفي تحليله لهذه المعطيات، قال الخبير الاقتصادي حسام عايش، إن "المجتمع السعودي غير معتاد على العمل في مهن ربما تكون شاقة أو تحتاج إلى جهد عضلي أو عقلي كبير، لذلك فإن خروج العمالة الأجنبية في هذا الوقت قد يسبب مشكلات اقتصادية للسعودية ستؤثر على الأداء الاقتصادي لبعض القطاعات".

وأضاف عايش لـ"الخليج أونلاين"، أنه "سيكون من الصعب على المملكة توفير عمالة محلية بديلة ومدربة، ورحيل العمال الأجانب سيكون له نتائج غير محسوبة خاصة بخروجهم من قطاعات اقتصادية لم يتهيأ السعوديون بعد للعمل فيها".

وأوضح أن عدم وجود عمالة سعودية مؤهلة وبديلة للعمال الأجانب سيؤدي إلى تراجع الإنتاجية بقطاعات اقتصادية مختلفة، وهو ما قد يحدث نوعاً من الهزة في تقديم الخدمات بالمملكة وسينعكس سلباً على اقتصاد البلاد.

وحول إمكانية إحلال عمالة محلية في سوق العمل السعودي، قال عايش: "إن تأهيل العمالة السعودية يحتاج إلى وقت، إضافة إلى أنهم قد يرفضون العمل وفقاً للشروط التي كانت مفروضة على العمالة الوافدة".

من جانبه، رأى المحلل الاقتصادي، وليد سيف، أن "نظام سعودة سوق العمل لا يمكن أن ينجح لأنه على مدار عقود فشل نظام التعليم السعودي في تقديم خريجين مؤهلين للوظائف المطلوبة بسوق العمل التي يشغلها الأجانب".

ويعتقد سيف، الذي تحدث لـ"الخليج أونلاين"، أن الشركات الخاصة المحلية والدولية بالمملكة لا تزال تفضل العمالة الأجنبية لأن رواتبها منخفضة ولديها مهارة وقدرات مهنية إنتاجية عالية، بخلاف العامل السعودي الذي يريد رواتب مرتفعة، وفي ذات الوقت لا يملك الخبرة والمهارة الكافية التي يتطلبها سوق العمل.

حديث الخبراء الاقتصادين لـ"الخليج أونلاين" تؤكده تصريحات نائب وزير العمل السعودي، أحمد الحميدان، في نوفمبر الماضي، كشف من خلالها عن تهرب الشركات من توظيف السعوديين، بما يتعارض مع خطة السعودة، بحسب صحيفة "وطن" المحلية.

وذكر الحميدان أن 90% من مؤسسات القطاع الخاص وشركاته في المملكة تتهرب من توظيف السعوديين، وتتحايل على وزارة العمل من خلال تكليف إدارة الموارد البشرية بوضع الحلول المناسبة حيال استمرار استقدام العمالة الوافدة.

وفي السياق، أكد سيف أنه لا يمكن بأي حال من الأحوال الاستغناء عن العمالة الأجنبية بالسعودية، فالأخيرة ستحتاج لسنوات طويلة قادمة تعمل خلالها على إصلاح منظومتها التعليمية لتخرج شبان مؤهلين للوظائف المطلوبة.

واعتبر أن هناك خلل بالنظام الاجتماعي يجب إصلاحه أيضاً عبر تهيئة السعوديين لتولي الوظائف التي تتطلب جهداً عضلياً وذهنياً ولا تحقق مردوداً مالياً كبيراً أو تلك المرتبطة بقطاع الخدمات الفندقية والمنزلية والنظافة.

وحذر من أن غياب العمالة الوافدة المؤهلة للعمل في السوق السعودي حالياً، سيعني حتماً توقف عجلة الاقتصاد كلياً.