مجتمع » ظواهر اجتماعية

زواج المسيار و"طلاق SMS" يثيران الجدل في السعودية

في 2019/01/08

الخليج أونلاين-

أثار الحديث عن قضيتي الطلاق وزواج المسيار جدلاً واسعاً داخل المملكة العربية السعودية، خلال الأيام الماضية، في وقت يسعى فيه ولي العهد، محمد بن سلمان، جاهداً في تحديث بلاده على غرار الدول المتقدّمة ديمقراطياً.

في المقابل تواجه هذه المسائل اعتراضاً مجتمعياً؛ في ظل اضطراب ديني وشرعي وسياسي لم يسبق له مثيل في تاريخ السعودية الحديث، حتى وصل بها الحال إلى إشعار الزوجة بالطلاق عبر رسائل الـSMS، والكشف عن بعض المعلومات حول "زواج النهار" المثير للجدل.

طلاق عبر الـSMS

في السعودية الجديدة تحوّل 80% من حالات الزواج الذي يهدف إلى الأنس والسكينة والطمأنينة وبناء العائلة، كما يريده ويدعو إليه الدين الإسلامي الحنيف، إلى زواج بمقاسات متعدّدة، كما هو الحال في "زواج المسيار"، لتبلغ هذه الظاهرة نسبة عالية من مجموع الزيجات في المحاكم السعودية، بحسب بيانات وزارة العدل.

المعلومات التي كُشف عنها حول زواج المسيار ونشرتها الصحف المحلية تتزامن مع قرارات جديدة اتّخذتها وزارة العدل بخصوص الطلاق وعقود الزواج الجديد؛ منها إعلام المطلقات بطلاقهن عبر الرسائل النصية في الجوال (SMS)، لا سيما الزوجات الجديدات، اللاتي لا يعرفن شيئاً عن زواج الرجل من امرأة أخرى.

وهذه الإجراءات الجديد تأتي ضمن برنامج الانفتاح الاقتصادي والاجتماعي الذي دعا له ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان؛ منها: السماح للنساء بحضور مباريات كرة القدم، والعمل في وظائف كانت حكراً على الرجال، ودخول صالات الترفيه، والاختلاط في الحفلات والمناسبات، رغم أن بعض السعوديين المحافظين ينظر إليه على أنه بداية التبشير بتحلّل روابط المجتمع.

وفي يوم 7 يناير 2019، نشرت صحيفة "عكاظ" السعودية تقريراً تناولت فيه هذه الظاهرة، وقالت نقلاً عن مصادر خاصة، إن الرسائل النصية (SMS) التي تبثّها المحاكم السعودية، اعتباراً من يوم نشر التقرير، على الهواتف المحمولة للزوجات، لإشعارهن بصكوك تعديل حالاتهن الاجتماعية، سواء الزواج أو الطلاق، لن تشير صراحة إلى لفظ "تم الطلاق"، وإنما تلميح فقط، في إطار التخفيف من وقع الأمر على الزوجات.

ونشرت الصحيفة مضمون رسائل الطلاق؛ وهي تلمّح إلى حالة الطلاق من دون ذكره صراحة، مكتفية بعبارة: "بإمكانكم مراجعة المحكمة لاستلام الصك"، بينما ذكرت المصادر نفسها أن رسائل الزواج تصل للزوجة الجديدة فقط باعتبارها صاحبة الشأن، ولن تصل للزوجات الأخريات، اللاتي لن يتمكّنَّ من معرفة أي عقود زواج أخرى لأزواجهن، سواء عادية أو مسيار.

وأعلنت وزارة العدل أن محاكم الأحوال الشخصية تبدأ، يوم 7 يناير 2019، تطبيق توجيهات وزير العدل، ورئيس المجلس الأعلى للقضاء، وليد بن محمد الصمعاني، حول إشعار المرأة عند تعديل حالتها الاجتماعية برسالة نصية عبر جوالها، كما تتمكّن النساء في المملكة من الاطلاع على حالات الطلاق من خلال بوابة الوزارة الإلكترونية "ناجز"، وإظهار باقي التفاصيل، أي إن المرأة السعودية المتزوجة حديثاً باتت مطالبة بمراقبة حالتها الاجتماعية يومياً؛ خوفاً من طلاقها من دون علمها.

وتبرّر السلطات السعودية لجوءها لخدمة إشعار المرأة بصكوك الطلاق والزواج عبر الرسائل النصية إلى أنها ستُنهي حالات الطلاق الغيابي، وتمنح النساء حق معرفة حالاتهن الاجتماعية بعد شطبهن من سجلّ العائلة؛ بسبب تعدّد الزواج المؤقت، أو ما يُعرف بـ"زواج المسيار" في المملكة.

وتقول الوزارة إن هذا القرار هو تعزيز للتحوّل الرقمي في الوزارة بالمزيد من الخدمات، بالإضافة إلى حفظ حقوق المستفيدات، لكون العديد من المحاكم سجلّ في السابق إشكاليات كثيرة؛ تمثّلت في عدم تبليغ الزوجة بطلاقها، ورفعت مواطنة دعوى قضائية ضد زوجها، لكونه طلقها سراً ولم يبلغها بذلك، وظل يعاشرها، في تعدٍّ صارخ للقوانين المحلية والأعراف المجتمعية، بحسب ما ذكرت صحيفة "عكاظ".

المسيار وبُنية المجتمع

ويعرّف العلماء في منطقة الخليج زواج المسيار على أنه عقد الرجل على زواجه من امرأة عقداً شرعيّاً مستوفياً جميع الأركان والشروط، لكن تتنازل فيه المرأة عن بعض حقوقها؛ كالسكن أو النفقة أو المبيت.

وانتشر "زواج المسيار" أو "زواج الإيثار" أو "زواج النهار"، في العقود الأخيرة في عدد من الدول العربية وبعض الدول الإسلامية، ويعني أن تتنازل الزوجة عن حقوقها الشرعية في الزواج الرسمي، لكن هذا النوع من الزيجات يُعدّ الأكثر جدلاً بين أوساط المجتمع السعودي؛ من حيث الحكم، وأسباب اختياره، ومدى ضمان حقوق هذا الزواج للزوجة.

ويُقبل السعوديون وبعض مواطني دول الخليج بشراهة على علاقة تحت اسم "زواج المسيار"، وهو من أنواع الزواج الرائجة كثيراً في منطقة الخليج، وصدر أكثر من فتوى شرعية أجازته، وبرّره مشرّعوه بـ"رغبة الزوج في إخفاء أمر هذا الزواج عن أهله وأولاده؛ درءاً للمشاكل المحتملة منهم إذا علموا بذلك"، بحسب قولهم.

بيد أن أغلب العلماء أفتوا بكراهته وإن لم يخرج عن الجواز من حيث الشروط والأركان، وهو الأمر الذي يدفع إلى البحث عن أسباب هذا الزواج وعيوبه ومميزاته، الذي يصفه البعض بأنه "دعارة مقنّعة".

ويعزو العلماء السعوديون أسباب انتشار هذا النوع من الزواج إلى ارتفاع نسبة العنوسة، وانصراف الشباب عن الزواج، وغلاء المهور، وتكاليف الزواج، وكثرة الطلاق، وتكرار السفر لبلدان أخرى، ما يؤدّي إلى انتشار هذه الزيجات، والهدف منها حفظ النفس من المحرّمات، وتلجأ بعض العوائل إليه لحماية بناتها من العلاقات المحرّمة.

ويأتي أيضاً من باب رغبة بعض الرجال في التنوّع والمتعة المباحة، دون التأثير على بيته الأول وأولاده، ويكون أحياناً بشكل سرّي لكيلا يفسد العشرة بين الزوج وزوجته الأولى.

ورغم انتشار الظاهرة في المجتمع، أقرّت وزارة العدل بأن زواج المسيار غالباً ما ينتهي سريعاً في مدة تتراوح بين 14 - 60 يوماً، وتؤكّد أن نسبة نجاح هذا النوع من الزيجات لا تتجاوز 20% من مجموع العقود التي تنفّذ في المحاكم، في حين أن معظم زيجات المسيار الناجحة تتحوّل إلى عادية يعلَن عنها من الطرفين أو تنتهي ولا يُكتب لها الاستمرار، بحسب ما ذكرت صحيفة "الوطن" السعودية نقلاً عن مصادر خاصة.

ويرى القائمون على المؤسسة الدينية في المملكة أن "زواج المسيار جاء ليكون حلاً لمشاكل العنوسة والترمّل والحالات التي تكون فيها المرأة على استعداد للتنازل عن الكثير من متطلّبات الزواج"، معتبرين أن "هذه الحالات تستحق زواج المسيار؛ لتحقّق المصلحة للجميع"، رغم أنها حذرت من أن "زواج المسيار يحمل الكثير من المخاطر؛ منها امتهان بعض الرجال والنساء لهذه الظاهرة وتحويلها إلى تجارة"، بحسب رأيهم.

واعتبر وكيل كلية الشريعة بجامعة أم القرى، محمد السهلي، أن "ارتفاع حالات الطلاق من زواج المسيار مؤخراً هو مؤشر خطير"، مشيراً إلى أنها "أصبحت مهنة ويتاجر بها البعض، وللأسف العدد في تزايد لكون الطلب مرتفعاً على هذا النوع من الزيجات.. والكثير يرغب في زواج المسيار لكنهم لا يعلمون دوافع وخطر هذا الزواج".

التلاعب بالأعراض

الأكاديمي السعودي دعا إلى "ضبط هذا النوع من الزواج ومعرفة جميع حالاته وإنشاء قاعدة بيانات سرية.. وفي حال تم عقد زواج يتم إدراجه إلكترونياً عبر السجل المدني، ومن هنا يتم ضبط جميع الحالات ومعرفة عدد مرات الزواج؛ ليكون الجميع مُطّلعاً على كافة تفاصيل الحياة الزوجية المقبلة، مع ضرورة فرض وزارتي العدل والداخلية عقوبات على أصحاب العقود المخالفة لأنظمة القضاء، وتنزيل أشد العقوبات على من يتلاعب بأعراض الناس، فهذه الزواجات عقود مغلظة"، بحسب صحيفة "الوطن".

ويدفع غلاء المهور وارتفاع نسبة العنوسة وحالات الطلاق هذه الزيجات إلى الانتشار أكثر، خصوصاً في المجتمعات الخليجية، لكنه تحوّل مؤخراً، بحسب دعاة ومشايخ، إلى سوق للمتعة بين طرفين، وأخلّ بالمفهوم الحقيقي للزواج والأسرة القائم على المودة والرحمة بين الزوجين، مع توفر السكن الدائم لهما، بحسب ما يرى محللوه.

وينتقد ناشطون وناشطات من السعودية عبر وسائل التواصل الاجتماعي ظاهرة استمرار زواج المسيار، ويعتبرون أن هذه الزيجات "جريمة كبرى بحق المرأة مثلها مثل المتعة والبغاء.. وكأننا شعب كل ما تعصرن عاد لجاهليته، يجب يمنعه وما توالد منه من زواجات بالقياس"