مجتمع » ظواهر اجتماعية

بيننا ألف ألف امرأة مثل رهف القنون

في 2019/01/18

جاسر الدخيل- خاص راصد الخليج-

خرجت.. ولم تعد
ربما هذا الاعلان يثير حفيظتنا، يقتلنا في الصميم، كيف تخرج امرأة من حظيرتنا متمردة على قيم (نا) وعادات (نا) وقوانين (نا)، نحن من صنعها، فصارت اله نعبده، ونضحي بكل شيء حتى ببناتنا لأجله..
خرجت رهف.. ولم تعد
نعم هي انسانة أخذت قرارها، أن تحطم أسوار سجن كبير بنيناه بأيدينا، سجن وضعنا فيه أهلنا وعيالنا، نفتحه لمن نشاء، اللواتي قالت عنهم رهف انهن محظوظات. المحظوظات ربما هم ينتسبن للعائلة المالكة أو ينتسبن الى  المحظوظين في القصور الملكية من عاملي البلاط.
خرجت رهف القنون ولم تعد
ولن تعود رهف الى بلاد الجاهلية، التي لا زالت تنظر الى المرأة كبلاء، يجب وأدها قبل أن تبصر الحياة.
ربما لو تمتعت رهف بالحد الأدنى من شروط العيش والحرية، لما فكرت بأن تكسر باب السجن وتتحمل كل تلك المخاطر وتهرب، لو كانت تحظى بالحد الأدنى من حقوقها الشخصية، التي اختصرتها هي بأمور ثلاثة حق القرار في"الزواج والتعليم، والعمل" لما فكرت ان تهرب..
خرجت رهف ولن تعود الى السعودية..
نعم لن تعود رهف، لأن "السعوديات يعاملن كعبيد"، هن بنظر السلطة ملك لأولياء أمرهن من الرجال، يفعلن ما يشاء بهن، والسطلة تحمي اولئك "الولاة" لتحمي نفسها.
كم مرة فكرت رهف أن تهرب، فخفق قلبها الضعيف: "أكثر ما كان يخيفني أن يمسكوني، لو مسكوني ما كنت أعرف أيش مصيري".. لأن الكثيرات هربن .. لكنهن لم ينجحوا ولا أحد يعرف مصيرهن.
كم رهف عندنا.. كم واحدة من سائنا وبناتنا تفكر كل يوم ألف مرة بكسر القيود، تفكر أن تكون رهف القنون، لتعيش انسانيتها.. انسانة لها الحق باتخاذ القرار بمن تتزوج ومع من تبني حياتها، أو هل تذهب الى المدرسة والجامعة أم تبقى في منزلها، هل تعمل أو لا تعمل.. وماذا تعمل، دون أن يكون هناك رجل يقرر نيابة عنها..
أليس هذا حق لرهف ومثيلاتها، أليس هذا هو الحد الادنى من الحق الذي يجب أن يتمتع به انسان خلقه الله كريما، وفضله على سائر المخلوقات، وقد ساوى الله جل وعلا بين الذكر والانثى فقال ﴿ مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ (غافر: 40)..
خرجت رهف ولم تعد
من يجدها ليعيدها الى سجننا.. وهذه المرة لن يكون السجن كبيراً، ولن يتسع لغير جسدها الذي سنمزقه بسيف أعددناه لعدالة جاهليتنا المقيتة.
عن رهف ندافع، ولكل أخواتها ننتصر..
ننتصر لبناتنا، لنسائنا كلهن، ولكل فتاة هي حرة أي قرار تتخذ لتكمل حياتها.

قالت رهف بصوتها الضعيف: "أنا من المحظوظات وأعلم أن هناك الكثيرات غير محظوظات وقد اختفين بعد محاولة هروبهن ولم يستطعن فعل أي شيء لتغيير واقعهن".
لم تعد رهف بيننا، لكن بيننا ألف ألف امرأة مثل رهف تنتظرن ساعة يحطمن قيد السجان.