الخليج أونلاين-
تشكل ظاهرة تزويج القاصرات في العالم العربي مثار اهتمام للمنظمات الحقوقية المحلية والدولية؛ لما تحمله من آثار سلبية على الفتيات اللواتي يجبرن على الزواج من أشخاص أكبر منهن سناً أو مراهقين لم يبلغوا سن الرشد بعد.
وتحتل منطقة الخليج العربي حصة كبيرة من ظاهرة تزويج القاصرات، وإن كانت لا توجد إحصائيات دقيقة حول انتشارها، لما يحمله هذا الموضوع من ارتباط بالعادات والتقاليد المنتشرة في المجتمعات العربية، وخصوصاً الريفية والقبلية، أكثر من تلك المنتشرة في المدن الكبرى.
كما أن ضعف التوجيه الفقهي الإسلامي للوقوف أمام هذه الظاهرة –رغم تحرك البعض– لم يكن بمستوى انتشارها في العالمين العربي والإسلامي، بالإضافة لعدم وضع قوانين صارمة تلزم الآباء بعدم تزوج الفتيات القاصرات قبل أعمار مناسبة لبناء أسرة وتهيئة جيل.
وقد صارت مسألة زواج القاصرات في السنوات الأخيرة محل جدل بين قضاة وطلبة علم وباحثين اجتماعيين، بينما يسعى حقوقيون وعلماء لتجريم هذا الزواج.
قوانين متأخرة
ورغم أن نسب تزويج القاصرات في العالم العربي تختلف من بلد إلى أخرى فإن معدلاتها زادت في الآونة الأخيرة، خصوصاً بعد ازدياد نسب اللجوء في عدة دول عربية نتيجة الحروب التي شنتها الأنظمة المستبدة واندلاع الثورات المضادة، ما دفع بالكثير لتزويج القاصرات بغية تخليصهن من معيشة المخيمات أو الواقع الاقتصادي المتردي.
لكن ازدياد النسب في البلاد المستقرة والغنية نوعاً ما؛ مثل السعودية التي تنتشر فيها العادات القبلية بشكل واسع، وتدفع مقابل بعض الزيجات مهوراً عالية تدفع ببعض الآباء لتزويج بناتهم الصغيرات، تثير الكثير من التساؤلات.
وقال الشيخ يوسف القرضاوي، الرئيس السابق للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، بنفس الفترة، إنه لا بد من تحديد سن معينة لتزويج البنات؛ حتى لا يترك الأمر لبعض الآباء العابثين.
وأضاف: "لا بد من تحديد سن معينة ليتعظ الناس الذين لا ينظرون لمصالح البنات، ولا ينظرون إلا إلى مصالحهم الشخصية، وهذا أمر يتعلق بعموم الناس وليس بحالات فردية، فلا بد من مراعاة مصلحتهم، فما فائدة تزويج بنت في سن صغيرة ثم بعد ذلك تندم وتغضب من أبيها؟ فلا داعي من الأساس لعمل هذا، ويجب تنظيم الأمر حتى لا يترك لأهواء الآباء ومصالحهم الشخصية".
لكن مفتي المملكة العربية السعودية ورئيس هيئة كبار العلماء فيها، الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، قال في (ديسمبر 2014)، إن زواج القاصرات دون سن 15 عاماً "جائز ولا شيء فيه"، بحسب صحيفة الرياض.
وعطلت تلك الفتوى مشروع تقييد زواج الفتيات دون سن 15 عاماً الذي رفع من قبل وزارة العدل السعودية إلى الرئاسة العامة للبحوث والإفتاء، مطالبة بإصدار فتوى تقنن زواج القاصرات، لعدة سنوات.
وقُدمت بعد ذلك عدة مشاريع لمجلس الشورى السعودي لإصدار قانون يمنع تزويج القاصرات دون سن الـ15، قبل آخرها بيناير عام 2019.
ويشار إلى أن المجلس لا يتمتع بأي صلاحيات تشريعية، لكنه يقدم مقترحات للملك، وغالباً ما تلقى القرارات الصادرة عن المجلس ترحيباً محلياً واسعاً، حتى إنها ينظر لها وكأنها تهيئة للرأي العام.
وقبل مرور عام على تقديم المشروع، أعلنت وزارة العدل السعودية، في 30 ديسمبر 2019، أنها منعت تزويج الفتيات قبل سن 18 عاماً لدى مأذون شرعي.
القرار لم يأت قاطعاً بعدم تزويج الفتيات قبل هذا السن، بل تحدث عن استثناءات يمكن من خلالها تزويج الفتاة قبل هذا السن من خلال المحكمة لا المأذون الشرعي.
بدروه شدد وزير العدل رئيس المجلس الأعلى للقضاء، الشيخ الدكتور وليد بن محمد الصمعاني، في تعميم موجه للمحاكم ومأذوني عقود الأنكحة كافة، على منع إجراء عقود الزواج من المأذونين لمن يقل عمره أو عمرها عن 18 عاماً، وإحالة مثل هذه الطلبات إلى المحكمة المختصة لاستكمال الإجراءات النظامية حيال ذلك، تماشياً مع نظام حماية الطفل ولائحته التنفيذية.
وتشهد المملكة سنوياً أكثر من 5 آلاف حالة زواج تكون فيها الزوجة قاصراً، أي أقل من 16 عاماً، في حين يكون عدد كبير من حالات الزواج تلك لزوجين فارق العمر بينهما أكثر من 10 أعوام إلى 30 عاماً في بعض الأحيان.
الحال في الإمارات متشابه مع السعودية من ناحية العادات والتقاليد، كما أنها لا تسمح بتزويج القاصرات من قبل مأذون شرعي.
وبحسب القانون الإماراتي يمنع زواج شخصين يتجاوز عمر أحدهما ضعف عمر الآخر، وفي حال كان عمر أحد الزوجين أقل من 18 عاماً فيجب الحصول على موافقة رئيس محكمة الأحوال الشخصية.
لكن الصادم هو إحصائية لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسف"، التي قالت إن 55% من النساء الإماراتيات اللواتي لم يبلغن العشرين بعد متزوجات.
وقالت المنظمة في تقرير لها عام 2018، إن ما يقدر بـ12 مليون فتاة تحت سن 18 عاماً يتزوجن سنوياً في العالم، مضيفة أن هناك نحو 650 مليون امرأة موجودة حالياً قد تزوجن في سن الطفولة.
تناقض إماراتي سعودي
إلا أن القوانين التي وضعت في الإمارات والسعودية تجدها متناقضة مع ما يحاول الحكام في البلدين إظهاره، خصوصاً مسيرة الانفتاح التي يقودها محمد بن سلمان في المملكة، منذ صعوده إلى ولاية العهد عام 2017.
ويحاول ولي العهد سن قوانين تظهر المملكة بأنها تساير حقوق الإنسان العالمية، مع سلسلة قرارات قضت بالتخلّي عن عدد من التقاليد والأعراف الرسمية التي اعتمدتها البلاد على مدار عقود.
في مقابل ذلك أودع في السجون مجموعة من أبرز الدعاة السعوديين وأكثرهم شهرة على مستوى العالم الإسلامي؛ في خطوة هدفت إلى منع الآراء المضادة، وإن كانت تصدر من شخصيات دينية معتبرة.
وكذلك الحال في الإمارات التي تعد منفتحة أساساً، وتتصدر المشهد على أنها تمتلك قوانين عصرية ومدناً سياحية تستقطب الجميع؛ مثل دبي، التي حاول حاكمها محمد بن راشد آل مكتوم إجبار ابنته القاصر على الزواج من ولي العهد السعودي.
وأثيرت قضية زواج القاصرات مجدداً في الإمارات والسعودية والتناقض الشاسع بين فرض القوانين وتطبيقها، حيث كشفت الأميرة هيا بنت الحسين، الأخت غير الشقيقة لملك الأردن عبد الله الثاني، لمحكمة بريطانية، في (5 مارس 2020)، أن محمد بن راشد سعى لتزويج ابنته الجليلة من محمد بن سلمان، وأن أفراداً من العائلة زاروا الرياض لهذا الغرض، في فبراير 2018.
وقالت المحكمة العليا البريطانية: إن "حاكم دبي تعامل، منذ نهاية عام 2018، بطريقة كانت تهدف إلى ترهيب وتخويف هيا بنت الحسين، كما أنه شجع الآخرين على القيام بذلك نيابة عنه".
وأوضحت المحكمة أن "بن راشد يستمر في الحفاظ على نظام تحرم فيه الشابتان لطيفة وشمسة من حريتهما، فهو مسؤول عن إعادة ابنته شمسة بعد اختطافها، وحقنها بمخدر من قبل عناصر تابعة له، والشيخة لطيفة التي لم تنجح محاولتها في الهرب".
ووفق القرار فإن "حاكم دبي اختطف وعذب وهدد أولاده وبناته، ولم يكن منفتحاً ولا صادقاً مع المحكمة".
ورفضت المحكمة البريطانية العليا النظر في طعن مقدم من محمد بن راشد لمنع نشر أحكام تتعلق بالمعركة القضائية مع زوجته الأميرة هيا بنت الحسين على حضانة طفليهما.
وهذا يؤكد تورط كل من حاكم دبي وولي عهد السعودية في مشروع زواج قاصر رغم سن القوانين التي تحض على غير ذلك في بلديهما بغية أهداف سياسية خاصة.
ومنذ أكثر من عامين بات هروب الأميرة هيا إلى لندن ورفعها دعوى الطلاق وتقديمها طلب حماية من زوجها للسلطات البريطانية حديث وسائل الإعلام العربية والعالمية.
وطلبت الأميرة هيا الوصاية على طفليهما، اللذين غادرت معهما دولة الإمارات، بالإضافة إلى الحصول على أمر حماية من الزواج القسري، وأمر بعدم التعرض لها بالإساءة.