الخليج الجديد-
"فيديو لشاب وافد يعمل لدى كفيل في متجر لأجهزة المحمول في منطقة العزيزية بالكويت، يجرده كفيله من ملابسه كاملة ويعتدي عليه بالضرب والصعق الكهربائي"..
المشهد السابق ليس حدثا عابرا بل سيناريو متكرر بأشكال مختلفة في دول الخليج العربية منذ سنوات طويلة، وفضحته وسائل التواصل الاجتماعي مؤخرا؛ ما زاد من الضغوط الدولية على تلك الدول لإلغاء نظام الكفيل لديها.
ويستند نظام الكفيل إلى القوانين التي تنظم عمل العمالة المهاجرة، وأسفر عن أجور ضعيفة لتلك العمالة دون ضمانات، وعدم وجود أنظمة حماية أو حقوق لها، سواء كانت مادية أم معنوية، إضافة إلى المتاجرة بها من قِبل مَن يُدرج على تسميتهم "تجار إقامات".
كما يحرم هذا النظام العمالة الوافدة من الحصول على إقامة دائمة في الدولة، وبموجبه تتعامل الدولة مع هذه العمالة بشكل أمني تتولاه وزارة الداخلية، أكثر من كونه مسؤولية وزارة العمل.
ووفق الصلاحيات التي يمنحها هكذا نظام، يمكن للكفيل مصادرة وثيقة سفر العامل المهاجر؛ لإجباره على العمل وإرهابه من تركه دون أن يحاسب على ذلك؛ فنظام الكفالة لا يضمن للعامل حق تقديم الشكوى، في حال انتهاك أي من حقوقه.
كما أن الكفيل يتمكن في حال رفع دعوى عليه من قِبل العامل تسجيل تغيُّب أو إلغاء الإقامة، ما يدخل العامل في دوامة الحبس، ثم الترحيل عن البلاد، بسبب عدم شرعية بقائه بلا إقامة.
وتستفيد الشركات التي تتاجر بإقامات آلاف من العمالة المهاجرة من هذا النظام بشكل كبير، ويأتي بعدها من المستفيدين بعض المواطنين الذين يستغلون ذلك لصالحهم في انتهاك حقوق العمالة المنزلية، حيث أن إلغاء الإقامة وتسجيل حالات التغيب لا يؤخذ بعين الاعتبار فيها ما إذا كانت عاملات المنازل قد حصلن على حقوقهن المالية أم لا.
وحسب مدير المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا (غير حكومية) "محمد جميل"، فإن أكبر ما يعيب نظام الكفالة أنه خاضع لاعتبارات شخصية، وهش وغير موضوعي، ويضع العامل الوافد تحت ضغط نفسي كبير، عبر حجز جواز السفر، والحد من حرية تنقله، وتعرضه للترحيل المفاجئ بمجرد ادعاء واه من الكفيل دون رجوع للمحاكم، وفقا لما أوردته صحيفة "الراي" الكويتية.
وإزاء سنوات طويلة من الضغوط والانتقادات الدولية لنظام الكفيل، أعلنت بعض دول مجلس التعاون الخليجي مؤخرا أنها بصدد دراسة إلغائه، وأقر وزراء العمل الخليجيين بحث التجربة البحرينية ودراسة تفاصيلها، وإعداد تقرير عن التجربة.
أسبقية بحرينية
رغم أن البحرين أخذت السبق على مستوى الخليج، وأعلنت بشكل رسمي في مايو/أيار 2009 عن إلغاء نظام الكفيل للعمالة الوافدة العاملة في البلاد، إلا أن قيودا ظلت تحكم حركة العامل الوافد، منها اشتراط مدة معينة لفترة العامل الأجنبي قبل انتقاله لصاحب عمل آخر.
وفي سبتمبر/أيلول 2016، وافق مجلس الوزراء البحريني، بناءً على توصية اللجنة التنسيقية، على استحداث نظام "تصريح العمل المرن"، وهو بديل قانوني لاستخدام العمالة غير النظامية، عبر تصريح تصدره هيئة تنظيم سوق العمل للعامل الأجنبي مدة سنتين يمكنه من العمل الموقت لدى أي صاحب عمل أو فرد في أية مهنة لا تطلب ترخيصا احترافيا لمزاولتها.
غير أن التوجه نحو إلغاء نظام الكفيل في البحرين بالكامل لا يزال يواجه إشكالات تتعلق بالصدام المتوقع بين من يمارسون نشاطا اقتصاديا متسترا عليه وبين المتسترين عليهم، وارتفاع الحوالات الخارجية بشكل غير متوقع، وإغلاق العديد من الأنشطة غير النظامية، وهو ما دفع مستشار الموارد البشرية "خالد الشنيبر" إلى مطالبة وزارة الموارد البشرية بأن لا تستعجل إلغاء نظام الكفالة "بشكل كامل"، وفقا لما أوردته صحيفة "اليوم" (محلية).
انتقائية سعودية
الوضع في السعودية شبيه بالبحرين؛ فبينما تستعد السلطات إلى تطبيق إلغاء جزئي لنظام الكفيل المعمول، والذي يبدأ سريانه، مارس/آذار المقبل، وفق "مبادرة تحسين العلاقة التعاقدية". إذ تستني من هذا الإلغاء 5 مهن، هي: "السائق الخاص، والحارس، والعمالة المنزلية، والراعي، والبستاني"، حسب بيان لوزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية؛ حيث سيظل أصحاب هذه المهن قيد نظام الكفيل المطبق منذ حوالي 7 عقود.
يأتي ذلك رغم ما نقلته "مال" السعودية (خاصة) عن مصادرها بشأن تسبب نظام الكفالة في العديد من السلبيات على معدلات البطالة وعلى صورة السعودية خارجيا؛ نتيجة "لسوء استغلال البعض لهذا النظام تحقيقا لمكاسب فردية على حساب مصلحة البلد".
ومع ذلك، فإن التعديلات الأخيرة بنظام العمل في السعودية تتيح للعامل الوافد (من خارج المهن الخمسة) الانتقال إلى عمل آخر عند انتهاء عقد عمله دون الحاجة لموافقة صاحب العمل، وتحدد آليات الانتقال خلال سريان العقد، شريطة الالتزام بفترة الإشعار والضوابط المحددة.
كما تسمح التعديلات للعامل الوافد بحق السفر إلى خارج المملكة والعودة، وذلك عند تقديم الطلب مع "إشعار" صاحب العمل إلكترونيا.
وتشير الخبيرة المصرفية "صيغة الشمري" إلى أن الدافع الرئيس للسعودية في هكذا تعديلات تعود إلى فائدة اقتصادية مهمة، وهي مكافحة ظاهرة "التستر"، خاصة أن كثيرا من المقيمين بالمملكة يفتتحون بعض المشروعات أو يقومون بإجراءات قد تكون غير قانونية دون مبالاة نظرا؛ لأنها تكون باسم مواطن سعودي، وبذلك تكون أي مخالفة على المواطن السعودي دون تحمل المقيم للمخالفة.
تخوف كويتي
سبق أن أعلنت مصادر كويتية مطلعة أن البلاد تتجه إلى إلغاء نظام الكفيل، حسبما نقلت صحيفة "القبس" المحلية (خاصة) عن مستشار وزيرة الشؤون الاجتماعية "دحام الشمري" في 19 مايو/أيار الماضي، لكن ظلت إشكالات تتعلق بتجارة الإقامات و"خلل التركيبة السكانية في البلاد" بمثابة العائق الأكبر أمام تحققها على أرض الواقع.
فمن جانب الدولة، هناك إيمان بضرورة التخلي عن نظام الكفالة التقليدي، الذي "ساهم في الإضرار بسمعة الكويت خارجيا، وعرضها لتقارير دولية سلبية تتعلق بتحذيرات وإدانات للدولة بمخالفة قوانين حقوق الإنسان، واتهام بعدم القضاء على ظاهرة الاتجار بالبشر (العبودية الحديثة)، حسبما نقلت صحيفة "الراي" عن مدير مركز دراسات الخليج والجزيرة العربية في جامعة الكويت "فيصل أبوصليب".
وأهم تلك التقارير ما يصدر سنويا من الخارجية الأمريكية في تقييمها لوضع حقوق الإنسان في الكويت، والذي تشير خلالها إلى أن الحكومة الكويتية لا تبذل الجهد الكافي لمحاربة الظاهرة، أو مقاضاة مرتكبي الاتجار بالبشر، أو إدانتهم، وصنفت الكويت نتيجة لذلك ضمن الفئة 3 لأعوام عدة، وهي الفئة التي تضع الكويت من بين قائمة الدول التي لا تلتزم بالكامل بالمعايير الدنيا لجهود مكافحة الاتجار بالبشر ولا تقوم بأي جهود ذات أهمية تجاه هذه القضية.
لكن الدولة، في المقابل، تخشى من أن يضر إلغاء نظام الكفيل بخطتها لمعالجة خلل التركيبة السكانية في البلاد؛ إذ يبلغ الأجانب نسبة 70% من سكان الكويت، مقابل 30% من المواطنين.
ولذا لا تزال عديد الأصوات متحفظة على إلغاء كامل ونهائي لنظام الكفيل في الكويت، وهو ما عبر عنه الكاتب الصحفي "فهد القراشي"، بالدعوة إلى أن تكون هيئة القوى العاملة هي "الكفيل" للعمالة الوافدة التي ترغب الدولة في وجودها، على أن يتم تحصيل رسوم إصدار إذن عمل مختلفة لتلك العمالة، مختلفة عن العمالة العادية ولا يتم منح إذن العمل الخاص بها إلا لمهن مختارة تحتاجها الدولة مثل المتخصصين في المجال الطبي أو شركاء في أعمال تجارية ولديهم عقد شراكة موثق.
استجابة قطرية
ظل الوضع في قطر شبيها بالبحرين والسعودية والكويت، حتى بعد إصدار أمير قطر "تميم بن حمد"، في 27 أكتوبر/تشرين الأول 2015، قانونا خاصا يعنى بتنظيم دخول وخروج الوافدين وإقامتهم.
وقضى القانون بتنظيم دخول وخروج الوافدين وإقامتهم، وعدم جواز دخول الوافد لغرض العمل، إلا بموجب عقد عمل مبرم مع مستقدمه، وفقا للشروط والضوابط المقررة قانونا، وحظر التنازل عن سمات الدخول التي تصدرها الجهات المختصة بالدولة للغير.
غير أن الشروط الواردة بالقانون ظلت محل انتقاد من منظمات حقوق الإنسان الدولية، التي رأت فيها إخلالا بمبدأ الإلغاء الكامل والنهائي لنظام الكفيل.
وفي سبتمبر/أيلول الماضي، أعلنت قطر عن إصلاحات في نظام العمل تتضمن إلغاء كاملا لنظام الكفالة، من المنتظر أن تدخل حيز التنفيذ في ديسمبر/كانون الأول المقبل؛ لتصبح قطر بذلك أول دولة خليجية تلغي نظام الكفالة "بشكل كامل".
ويرى مراقبون أن الخطوة القطرية قد تكون دافعا لدول الخليج الأخرى، التي لا تزال تعتمد نظام الكفيل "المعدل"، وتتعرض فيها العمالة للعديد من الانتهاكات.
وفي هذا الإطار، أصدر مكتب الممثل الأعلى للأمن والسياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي "جوزيب بوريل"، بيانا، أكد فيه دعمه القوي للإصلاح القطري الذي كان محل نقاش بين بروكسل والدوحة في إطار حوار غير رسمي حول حقوق الإنسان.
تمهل إماراتي
ألغت الحكومة الإماراتية، العام الماضي، تأشيرات الخروج لـ"بعض" فئات العمالة الوافدة علي أراضيها، في خطوة اعتبرتها المنظمات الحقوقية الدولية "غير كافية"؛ بسب عدم تطبيق القرار رسميا علي كافة العمال الأجانب في البلاد.
وأورد تقرير لوزارة الموارد البشرية والتوطين الإماراتية، في مارس/آذار الماضي، أن الحكومة الإماراتية تفكر في مناقشة مسودة جديدة بإلغاء كافة تأشيرات الخروج لجميع العاملين على أراضي البلاد، لكن ذلك لم يتحقق حتى الآن.
وأفادت مصادر مطلعة بأن إقرار الإلغاء النهائي والكامل سيستغرق وقتا، مشيرة إلى أن العمل جاري على تمكين جميع الموظفين من تغيير جهة العمل بصورة أكثر سهولة في الوقت الراهن.
تأخر عماني
اكتفت سلطنة عمان بتعديل بعض أحكام اللائحة التنفيذية لقانون إقامة الاجانب؛ بحيث أصبح ممكنا نقل إقامة الأجنبي من صاحب عمل إلى آخر بدون طلب "شهادة عدم ممانعة" من الكفيل الأول.
ويبدأ تنفيذ هذا التعديل، بداية 2021، وبموجبه أصبح بإمكان العامل الوافد نقل الكفالة بدون شرط الانتظار لمدة عامين في حال عدم موافقة كفيله.
وأوضح حساب التواصل الحكومي للسلطنة، عبر "تويتر"، أن اشتراط "شهادة عدم الممانعة" أدى إلى تراجع ترتيب عُمان في عدد من المؤشرات الدولية، وهو ما يتعارض مع أولويات السلطنة في إحراز مراكز متقدمة في هذه المؤشرات بما يلبي متطلبات رؤية عمان 2040.
واعتبر تقرير الخارجية الأمريكية التعديل العماني بمثابة مؤشر على ارتفاع بجهود حكومة السلطنة في إطار مكافحة الإتجار بالبشر، وصنف تلك الجهود في المرتبة الثانية، مع دول منها ألمانيا وبولندا وتركيا وإيطاليا.
لكن هكذا تعديل يتقصر على الانتقال من كفيل لآخر، ولا ينص على إلغاء نظام الكفالة بشكل كامل، بما يشمل حق العامل الوافد في السفر غير المقيد بإذن الكفيل، لكن بقواعد عقد العمل المبرم وقانون العمل الساري في البلاد.
لذا فمن غير المرجح أن يتقدم ترتيب عُمان بالمؤشرات الدولية كثيرا، خاصة أن وسائل الإعلام بالبلاد لا تطرح إلغاء شاملا لنظام الكفيل حتى الآن.