الخليج أونلاين-
"زواج المسيار" هو زواج ومصطلح اجتماعي انتشر في العقود الأخيرة في عدة دول، وفي مقدمتها السعودية، وهو زواج بلا قيود تقليدية، يتم غالباً في السر، وشاع خصوصاً لدى الرجال غير القادرين على تحمل تكاليف الزواج الباهظة.
وفي غياب أي أرقام رسمية أو غير رسمية لهذا النوع من الزواج في المجتمع السعودي، والتكتم حوله، تُطرح تساؤلات عن كيفية عثور الرجال والنساء الراغبين بهذا الزواج بعضهم على بعض، وهذا السؤال يقود إلى ما يُعرف بالـ"خطابين".
ولغرض هذا النوع من الزواج، ولتسهيل وصول المهتمين به، تتزايد في الآونة الأخيرة تطبيقات تعارف في دول الخليج، وتظهر إعلانات على مختلف وسائل التواصل للتعريف بهذه التطبيقات.
رواج كبير
بين الحين والآخر يعود الحديث عن زواج "المسيار"، وخصوصاً في المملكة، التي تعد أكثر الدول التي ينتشر بها هذا الزواج، حيث تقول وكالة "فرانس برس"، في تقرير لها نشرته 4 يوليو 2021، إن هذا الزواج لا يزال مغلفاً بالسرية والخجل رغم انتشاره ورواجه في السعودية.
وتنقل عن بعض المتزوجات بـ"المسيار" قولهن إنه رغم احتمال تعرضهن للإساءة، "يروق لهن ذلك أكثر من الزواج التقليدي"، فيما نقلت عن بعض الراغبين بهذا الزواج ممن لم يتمكنوا من الزواج الرسمي قولهم إنهم "يسعون للحصول على غطاء ديني لعلاقاتهم الجنسية التي يحظرها الإسلام خارج إطار الزواج".
وتعتبر بعض النساء زواج المسيار "هروباً سريعاً من العنوسة، أو فرصة لبداية جديدة للمطلقات والأرامل، اللواتي يكافحن من أجل الزواج مرة أخرى"، وفق الوكالة.
أما العلماء السعوديون فيرون أن أسباب انتشار هذا النوع من الزواج هي ارتفاع نسبة العنوسة، وانصراف الشباب عن الزواج، وغلاء المهور، وتكاليف الزواج الباهظة، وكثرة الطلاق، وتكرار السفر لبلدان أخرى؛ ما يؤدّي إلى انتشار هذه الزيجات؛ والهدف منها حفظ النفس من المحرّمات، وتلجأ بعض العوائل إليه لحماية بناتها من العلاقات المحرّمة.
وقال موظف حكومي سعودي أربعيني في علاقة مسيار مع أرملة سعودية ثلاثينية منذ أكثر من سنتين إنّ "زواج المسيار يقدّم لي الراحة والحرية والرفقة، وهو أيضاً حلال".
وأفاد لوكالة "فرانس برس" أن لديه ثلاثة أبناء من زواج تقليدي آخر، وأنه يزور زوجته المسيار في منزلها في العاصمة الرياض حينما يريد".
وأضاف: "لي صديق (سعودي) تزوج مسياراً 11 مرة، يطلّق ويتزوّج أخرى، ثم يطلّق ويتزوّج أخرى".
متى بدأ؟ وما الحكم الشرعي؟
انتشر زواج المسيار منذ 1996 حين قام مفتي البلاد آنذاك، والذي يمثل أعلى سلطة دينية في المملكة، بإضفاء شرعية عليه بفتوى دينية رسمية.
لكن كثيرين يشكّكون في شرعية زيجات سرية من هذا النوع لتعارضها بنظرهم مع المبادئ الأساسية للزواج في الإسلام، والذي يتطلب إشهاراً بين الناس.
وفي فبراير 2019، شدد عضو هيئة كبار العلماء في السعودية، عبد الله المنيع، على أن زواج المسيار صحيح إذا اشتمل على شروط الزواج وأركانه، وعلى انتفاء موانعه، معتبراً أن اللجوء إلى هذا الزواج أو الإعراض عنه "لا علاقة له بالجبن أو الخوف"، بحسب صحيفة "عكاظ" السعودية.
وأكد أن زواج المسيار "تصرف شخصي راجع للمتصرف نفسه"، موضحاً أن أحكام الزواج كلها ثابتة في المسيار.
وأشار المنيع إلى أن للمرأة الحق في أن تتنازل عن حقها في قسم أو نوم ليل أو نفقة أو غير ذلك، مشدداً على أن لها الحق في العودة إليه، وأن الزوج مخير بعد عودتها لحقها بين طلاقها أو إمساكها، "لكن الزواج صحيح".
وأضاف: "ما يتعلق بأحكام الزواج كلها ثابتة في زواج المسيار، فإن مات ورثته، ولها الحق في مهرها، وعليها عدة الوفاة، وأولادهما من هذا الزواج شرعيون".
الخطّابات.. الأكثر ربحاً
وانتشرت في الآونة الأخيرة على مواقع التواصل الاجتماعي حسابات "خطابات المسيار" بشكل لافت للنظر، وفيما يصدق بعضها في إتمام عملية زواج المسيار، يتخذه البعض للنصب والاستغلال المادي.
ويقول بعض من تزوجوا مسياراً إن وسطاء الزواج "الخطابة" تتقاضى ما يصل إلى 5000 ريال (1333 دولاراً)، وفق الوكالة الفرنسية.
ويعتبر الكاتب السعودي فهد الحربي، أن "الخطّابات" أصبحن مستغلات، موضحاً بقوله في مقال له نشره أواخر يونيو الماضي، أنهن يطلبن مبلغاً مالياً مقابل منحه رقم فتاة ترغب بهذا الزواج، ثم دفع مبلغ مالي لتجهيز الفتاة للنظرة الشرعية.
ويرى أن هذا الزواج يعتبر أمراً عادياً، لكنه يطالب بتدخل جهات مختصة لمتابعته ومحاسبة المخالف والمتجاوز، وأن تكون أي خطابة "تحت مظلة وزارة العدل وتحمل تصرياً بذلك ومعروفة ومعتمدة كما يجري على مأذون الأنكحة".
وإلى جانب ذلك ولتسهيل وصول المهتمين به، تتزايد في الآونة الأخيرة تطبيقات تعارف في السعودية، وتظهر إعلانات على مختلف وسائل التواصل للتعريف بهذه التطبيقات.
وتتطلب هذه التطبيقات لفتح الحساب: الاسم، والجنسية، ومحل الإقامة، والحالة الاجتماعية، والعمر، ومواصفات جمالية متعددة (لون الشعر والبشرة، والعيون، والطول، والوزن).
أضرار مجتمعية
لكن المشاكل العديدة التي تنجم عن هذه الزيجات ليس بمقدور بعض النساء تحملها، وفي مقدمتها: إنجاب الأطفال، ورفض الآباء الاعتراف بهم.
ويدعو أكاديميون ونشطاء سعوديون، بينهم وكيل كلية الشريعة بجامعة أم القرى، محمد السهلي، إلى "ضبط هذا النوع من الزواج ومعرفة جميع حالاته وإنشاء قاعدة بيانات سرية.. وفي حال تم عقد زواج يتم إدراجه إلكترونياً عبر السجل المدني".
وينتقد ناشطون وناشطات من السعودية على وسائل التواصل الاجتماعي ظاهرة استمرار زواج المسيار، ويعتبرون أن هذه الزيجات "جريمة كبرى بحق المرأة"، وفق الوكالة.
ويتحفظ الناشط موسى آل سعود على طريقة زواج المسيار، قائلاً إن فيه "ضياعاً لحقوق زوجة المسيار وأبنائها، ويظل الخيار الأسوأ لها إذا أجبرتها الظروف عليه".
غياب للأرقام والإحصائيات
وفي جولة على وسائل إعلام سعودية، يتبين وجود مقالات حول ظاهرة المسيار، ولكنها غير مقرونة بأرقام وإحصائيات، كان آخرها مقال لصحيفة "عكاظ" السعودية، حول أزمة عانى منها الرجال السعوديون في ظل الإغلاق العام للحد من فيروس كورونا.
ونقلت الصحيفة، في تقرير نشر بتاريخ 10 أبريل 2020، عن المحامي يوسف القعيط، أنّ من سلبيات زواج المسيار الوقوع في الإحراجات، إذ لم يعد بإمكان الزوج التحجج بالسفر.
كما اكتفت صحيفة "الوطن"، في أحد تقاريرها، نقلاً عن مصادر في وزارة العدل، بالكشف عن أنّ "مدة الزواج تبدأ من أسبوعين ولا تتجاوز الـ60 يوماً، وينتهي الأمر بالطلاق بعد حصول خلافات".
ولا يزال موقف المجتمع من زواج المسيار متأرجحاً بين مؤيد يقول إنّ الدين الإسلامي شرّعه في ظروف محددة، وبين معارض يرى أن "لانتشاره السري" تداعيات كبيرة على المجتمع.