الخليج أونلاين-
طفت قضية التحرش على السطح بالمجتمع الخليجي بشكل لافت خلال السنوات الماضية، الأمر الذي حدا بحكومات مجلس التعاون إلى اتخاذ خطوات وإقرار عقوباتٍ أشد وطأة؛ في محاولة لمواجهة ظاهرة تضرب صورة المجتمع وأعرافه في مقتل.
وطوال عقود، لم يكن التحرش ظاهرة علنية في دول الخليج التي لطالما أظهرت تمسكاً بعاداتها وتقاليدها المستمدة بالأساس من كونها دولاً إسلامية محافظة، فضلاً عن تمسكها بجذورها القبلية الضاربة في عمق التاريخ.
لكن التحولات التي شهدها العالم والتي أدخلت جملة من المظاهر الغريبة إلى المجتمعات العربية عموماً والخليجية على وجه الخصوص، أفرزت مجموعة من السلوكيات التي كانت -وما تزال- غريبة بالإجمال على سكان دول لطالما كانت المحافظة إحدى سماتها الرئيسة أمام العالم.
وشهد عام 2019 إطلاق جرس إنذار مدوٍّ عندما سلّطت الصحافة البحرينية الضوء على ما سمّتها ظاهرة "الذئاب البشرية"، وهو مصطلح أُطلق على مجموعات من المراهقين كانوا يمارسون التحرش بشكل ممنهج وخطير.
في أكتوبر 2020، دخل مجلس التعاون على الخط عندما أطلق في أكتوبر 2020، حملة للتحذير من التحرش الذي يتعرض له الأطفال تحديداً، وقال: إنَّ "صمت العائلة عن المتحرش يهدم شخصية الطفل، ويجعل المتحرش يتمادى".
السعودية.. سجن وغرامة وتشهير
المملكة العربية السعودية التي كانت وسائل الإعلام الغربية تصفها حتى وقت قريب، بـ"المملكة المحافظة"، شهدت عديداً من مظاهر التحرش في أماكن أو احتفالات أو تجمعات عامة، كان آخرها خلال إحياء اليوم الوطني الحادي والتسعين للبلاد (23 سبتمبر 2021).
فقد تداول نشطاء عدداً من مقاطع الفيديو لفتيات قيل إنهن تعرضن للتحرش خلال الاحتفالات الضخمة التي نظمتها المملكة خلال يومها الوطني هذا العام، وهو ما أثار سخطاً مجتمعياً واستدعى مطالبات بتوقيع العقاب.
وفي 25 سبتمبر 2021، أعلنت السلطات السعودية توقيف عدد من المتورطين في حوادث تحرش ومخالفات أخرى، بعضها وقع على هامش احتفالات اليوم الوطني.
ونشرت مديرية الأمن العام السعودي صور عدد ممن ألقت القبض عليهم، أحدهم تحرش بفتاة في أحد المتنزهات بالطائف.
كما أحال الأمن العام السعودي 44 مواطناً ومقيماً إلى النيابة العامة، حيث تنوعت جرائم الموقوفين بين التحرش والمشاجرات وغيرها، وذلك خلال الاحتفال باليوم الوطني للمملكة.
وخلال السنوات الأخيرة شددت المملكة عقوبة المتحرشين وصولاً إلى السجن خمسة أعوام وغرامة تصل إلى 300 ألف ريال (80 ألف دولار)، فضلاً عن عقوبة التشهير التي أقرتها في أكتوبر من العام الماضي.
وفي محاولة رسمية لمحاصرة الظاهرة، أقرّت المملكة قانونَي مكافحة التحرش والذوق العام، في استجابة لضغوط لطالما تجلَّت على مواقع التواصل التي تعج بين الحين والآخر بحادثة جديدة.
وثمة من ينحو باللائمة على هيئة الترفيه السعودية في زيادة حوادث التحرش خلال تجمعات تنظم غالبيتها الهيئة، التي تقف في قلب عملية إصلاح دشنها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان قبل 4 سنوات تقريباً.
غير أن كثيراً من الحوادث لم تكن الهيئة مسؤولة عنها، كتلك التي وقعت داخل أحد المولات التجارية بمدينة أبها في يوليو الماضي والتي أثارت ضجة أدت إلى توقيف المتحرش.
لا يقف الأمر في السعودية عند حد الحوادث وحسب، حيث أوقفت السلطات المختصة بث مسلسل "ضحايا حلال"، وإزالة جميع إعلاناته؛ بعد انتقادات مجتمعية حادة لمحتواه الذي وُصف بأنه مخالف للتقاليد.
الكويت.. تحرّك شعبي ونيابي
في ديسمبر 2020، تبنى نواب بمجلس الأمة الكويتي تعديلات تشريعية لمواجهة ظاهرة التحرش في البلاد، عبر اقتراح بقانون يقضي بحبس المتحرش سنةً وتغريمه ثلاثة آلاف دينار (9.920 دولاراً).
وينص المقترح على إلزام وزارة الداخلية بتوفير الوسائل التكنولوجية الحديثة والتطبيقات الإلكترونية التي تمكّن من التبليغ عن حالة التحرش، وإثباتها بالصوت والصورة من دون نشرها، مع ضمان حق المبلغين بسرية البلاغات.
وكانت شابة كويتية تدعى شيماء شمو، قد أطلقت حملة على مواقع التواصل في 28 ديسمبر 2020، بعنوان "لن أسكت"، في ردّ فعل على شكوى أطلقتها المؤثرة الكويتية آسيا (31 عاماً)، بعد تعرضها للتحرش خلال ذهابها للعمل.
وقالت شمو في تصريح لـ"بي بي سي"، إنها حاولت تقديم شيء نافع لبلدها الذي عادت إليه بعد سبع سنوات قضتها بمالطا في دراسة الطب.
وفي فبراير من هذا العام، اقترح النائب في البرلمان الكويتي، يوسف الفضالة، إطلاق تطبيق إلكتروني أمني؛ لمواجهة ظاهرة التحرش في الكويت.
ووفقاً لما نشرته صحيفة "القبس" المحلية، فإن هناك 700 حالة تحرش تحدث أسبوعياً في الكويت، مشيرة إلى أن 80 بلاغاً يتم تقديمها للمخافر كل أسبوع.
وينص القانون الكويتي على معاقبة المتحرش بالسجن سنتين وغرامة 500 دينار (1660 دولاراً)، وتصل العقوبة إلى السجن مدةً أقصاها 15 سنة إذا ما كانت الضحية تحت التهديد.
قطر.. حالات محدودة
تبدو دولة قطر في وضع جيد جداً، بالنظر إلى قلَّة حالات التحرش التي يجري تداولها على الأقل، إذ لا يكشف البحث على شبكة الإنترنت عن استفحال هذه الظاهرة في البلد الخليجي الذي يحمل قدراً كبيراً من التطور والانفتاح.
وفي يونيو الماضي، اتخذت السلطات إجراءات سريعة بحق طبيب بعد تداول أنباء على مواقع التواصل، تفيد بقيامه بممارسات "لا أخلاقية" مع المترددات عليه.
وبدأت القصة عندما انتشرت شكاوى على مواقع التواصل الاجتماعي من فتيات ونساء قلن إنهن تعرضهن للتحرش الجنسي من قِبل طبيب يعمل في أحد مراكز التجميل.
ودشن ناشطون وسم "#متحرش_البنات_م_ع"، تصدَّر قائمة الأكثر تداولاً في قطر، معبّرين فيه عن غضبهم من حالات التحرش الجنسي في المركز الطبي، وطالبوا وزارة الداخلية بالتدخل ومعاقبة الطبيب المتحرش.
ويُعاقب القانون القطري المتحرش بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر ولا تتجاوز ثلاث سنوات، إذا وُجد في مكان عام أو حرَّض على الفسق أو الفجور أو البغاء، بالقول أو الإشارة أو أي وسيلة أخرى.
عُمان.. عقوبات صارمة
في ديسمبر 2020، أدانت محكمة الاستئناف بعُمان متهماً بالتحرش بطفلة بالسجن 5 سنوات وغرّمته 5 آلاف ريال (13 ألف دولار)، ومنعته من مزاولة مهنة بيع المواد الغذائية، ونشرت الصحف المحلية اسم المتهم كاملاً.
وأجرت السلطنة، العام الماضي، تعديلاً على قانون الطفل، ليتم اعتبار ختان الإناث جريمة تستوجب السجن ثلاث سنوات، مع مضاعفة العقوبة في حال التكرار.
ويجرّم قانون الجزاء العُماني الأفعال والإشارات الخادشة للحياء ضد النساء والفتيات بموجب المادة الـ266. كما يجرّم قانون الجزاء الاغتصاب وهتك العرض بموجب المادة الـ257.
ولا يوجد تعريف محدد لفعل التحرش في قوانين السلطنة، باستثناء قانون الطفل، حيث يستخدم في ما يخص التحرش لفظ "هتك عرض" أو "فعل فاضح" أو "إهانة كرامة".
ونادراً ما تشهد ساحات القضاء العماني دعاوى من هذا القبيل بالنسبة للمرأة، بسبب العادات والتقاليد التي تجعل الأمر صعباً جداً، رغم أن القانون ينص على جواز إجراء محاكمات سرية في هذا النوع من القضايا، ويضع عقوبات صارمة في حالة الإدانة.
وقد ألزم القانون العماني كل من شهد أو علِم بموضوع جريمة التحرش أو هتك العرض، إخطار الجهات المختصة، وما إن تصل الجريمة إلى علم مأمور الضبط القضائي، يصبح ملزماً بإخطار الادعاء العام، الذي عليه التحقيق في الجرائم محل الاتهام.
وفي حال ثبوت الجريمة على المتحرش، يكون عرضة للعقاب، لأن الجريمة المشار إليها تعد من الدعاوى العمومية، وهي اختصاص أصيل للادعاء العام بعيداً عن تعرضه للاعتداء.
وينص القانون على أن يعاقب بالسجن مدة لا تقل عن عشر سنوات ولا تزيد على 15 عاماً، كل من واقع ذكراً أو أنثى بغير رضىً أو إذا كان المجني عليه مصاباً إصابة بدنية أو عقلية، تجعله عاجزاً عن المقاومة.
أما في ما يتعلق بالطفل فقد ذكر القانون التحرّش لفظاً إلى جانب هتك العرض والاغتصاب. ونص على معاقبة من يدان بهذه الأفعال بالسجن ما بين 5 و15 عاماً وغرامة تبدأ بـ5 آلاف ريال (13 ألف دولار) ولا تزيد على 10 آلاف ريال (26 ألف دولار).
البحرين.. مكافحة "الذئاب البشرية"
أثارت الظاهرة التي أطلقت عليها صحف البحرين عام 2019، ظاهرة "الذئاب البشرية"، قلقاً داخلياً بالنظر إلى تشكيل بعض المراهقين جماعات ممنهجة ومنظمة للتحرش الذي يصل إلى الاغتصاب.
و"الذئاب البشرية" وفقاً لما نشرته سابقاً صحيفة "أخبار الخليج" المحلية، "مصطلح يطلق على المراهقين أو الشباب الذين يتركون منازلهم وأسرهم للعيش في الزرائب أو حظائر الأغنام والماشية".
وأضافت الصحيفة تصف هؤلاء الأشخاص: "يرتدون لباساً مختلفاً مكوناً من بنطال واسع وممزق، وقميص غريب الشكل باللون الأسود تزينه صور جماجم بشرية، أو يحمل صورة مغني البوب الجامايكي بوب مارلي".
ويرتدي هؤلاء حذاء الزنّوبة بشكل دائم، ولديهم قَصات شعر غريبة يطلق عليها ذيل الحمار! وهم يستهدفون الأطفال على وجه الخصوص، كما نقلت الصحيفة عن عدد من الأهالي.
وتعاقب البحرين المتحرشين بالأطفال بالسجن ستة أشهر، مع ضمان مقاضاة الجاني في محاكم خاصة، وتأمين رقم ساخن للتبليغ عن حالات التحرش بحق الأطفال.
وفي بعض الحالات، تجيز البحرين مقاضاة الأهل إذا تبين للقاضي إهمالهم أو تقصيرهم، فضلاً عن إمكانية تعيين إخصائيين لمتابعة الوضع النفسي للضحية.
الإمارات.. تجريم التحرّش بالرجل
وتنص المادة الـ359 من قانون العقوبات الإماراتي على معاقبة من خدش حياء أنثى بتصرف ما، سواء بالكلام أو الفعل، في مكان عام، بالسجن فترة لا تتجاوز العام أو تغريمه بما لا يتجاوز 10 آلاف درهم (2725 دولاراً) أو بكلتا العقوبتين.
ويعاقَب بالعقوبة ذاتها كلُّ رجل ارتدى زياً نسائياً، قاصداً دخول مكان خاص بالنساء محظور دخوله لغيرهن، وعُدَّ ذلك ظرفاً مشدداً. كما يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر، كل من حرَّض المارة على الفسق بالقول أو الإشارة، في طريق أو مكان تجمُّعٍ عام.
وينص القانون الإماراتي على العقوبات نفسها المنصوص عليها في البحرين في حالة التحرش بالأطفال.
وفي ديسمبر 2019، تبنت الإمارات تعديلاً جديداً على قانون التحرش الجنسي، أثار اهتماماً بالغاً لدى المواطنين، حيث وضع الرجلَ على قدم المساواة مع المرأة بوصفه ضحية محتملة أيضاً لهذه الجريمة.