الخليج أونلاين-
فتح رئيس جهاز الاستخبارات السعودي الأسبق الأمير تركي الفيصل، الباب مجدداً أمام الحديث عن الخطر الذي تواجهه دول الخليج العربي جرّاء مخاوف الخلل السكاني التي تصاعدت بشدّة خلال السنوات الماضية.
وقال الأمير السعودي في خلال محاضرة في نادي الأحساء، أواخر ديسمبر 2021، إن بعض دول الخليج تعاني خللاً سكانياً كبيراً، واصفاً الأمر بأنه "جرس إنذار لما يحمله المستقبل من تحديات وطنية شاملة".
ودق جرس الإنذار بقوله: "لا شك أننا سنكون أقليات في بلادنا في وقت ما، وبالتالي وجودنا نفسه سيكون عرضة للخطر"، مشيراً إلى أن التنمية الاقتصادية يجب أن ترتبط بالتركيبة السكانية.
هذا التحذير السعودي ليس الأول من نوعه بشأن مشكلة الخلل السكاني في منطقة الخليج، فقد سبق للأكاديمي الإماراتي عبد الخالق عبد الله أن أطلق نفس التحذير، نهاية يونيو 2021.
وحذّر عبد الله آنذاك مما اعتبره "خطراً جسيماً"، مشيراً إلى أن غالبية من حصلوا على جنسية الإمارات "لا يتحدثون اللغة العربية، ولا يجتهدون من أجل تعلّمها، ولا علاقة لهم بالدين الإسلامي".
ولجأت دول الخليج إلى إصدار قوانين لتوطين الوظائف بالقطاعين الحكومي والخاص، بهدف تقليل عدد الأيدي العاملة الأجنبية، وتخفيض نسب البطالة في صفوف مواطنيها، ومعالجة الخلل السكاني لديها.
كما بدأت الحكومات بسنّ قوانين لتوسيع رقعة التجنيس على أسس تستهدف جذب الكفاءات التي يمكنها خدمة المجتمع، غير أن مسألة التجنيس ما تزال محل شد وجذب طوال الوقت.
مخاطر التجنيس
يتمثل الخطر في مسألة التركيبة السكانية، بحسب مسؤولين خليجيين، في أن التوجه نحو التوسع في تجنيس الأجانب لتعزيز الكتلة السكانية يضرب السكان الأصليين للمنطقة في مقتل، ويهدد الهوية الخليجية ككل مستقبلاً.
في الثالث من يوليو 2021، حذّر الأمين العام السابق لمؤسسة التربية والعلوم والثقافة الإسلامية (إيسيسكو)، د. عبد العزيز التويجري، من تجنيس الإمارات بعض المنتمين لديانات أخرى غير الإسلام، وقال إن الأمر يزرع تهديداً كبيراً لمستقبل المنطقة.
وسبق أن حذر الصحفي السعودي عبد الله الكويليت من اختفاء بعض دول المنطقة بعد نصف قرن بحد أقصى؛ بسبب التجنيس الذي "سيذيب سكانها في آخرين ليسوا من العرب أصلاً"، محذراً من أن الأمر قد ينتهي بتغيير سيادة الدول بما يتماشى مع طبيعة سكانها.
كما قال الكاتب الإماراتي عبد الخالق عبد الله، الذي كان مستشاراً لولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، في معرض تحذيره من مغبّة التجنيس على أسس غير سليمة، إن المشهد السكاني للبلاد سيختل بعد 50 عاماً من الآن.
وعلى عكس الإمارات، أقرّت المملكة العربية السعودية، في نوفمبر 2021، تجنيس الأجانب على أسس تستهدف جذب كفاءات علمية وعملية لدعم اقتصاد المملكة ومكانتها، وحتى الآن لم يستفد من القرار إلا عدد محدود جداً.
وتعتمد بقية دول الخليج نهجاً متشدداً في منح الجنسية، لكنها بالمقابل تواجه نقص السكان، خصوصاً في ظل خططها الاقتصادية الرامية لتنويع الاقتصاد بعيداً عن النفط والدخول بقوة في مجالات الزراعة والصناعة والنقل.
قرارات ومعوقات
غير أن المشكلة الرئيسية التي تواجه الخليجيين تتمثل في عدم قبول المواطنين بالعمل في العديد من الوظائف الخدمية التي يشغلها الوافدون، الأمر الذي يجعل تنامي الأجانب أمراً حتمياً، في حين تواصل الحكومات عمليات توطين واسعة.
فقد بدأت السعودية، التي تعتبر الأكثر نمواً في الخليج من حيث عدد السكان، سياسة توطين واسعة للعديد من الوظائف؛ على أمل تقليص معدل البطالة بين المواطنين من جهة، وتقليل نسبة الأجانب في البلاد من جهة أخرى.
وفي الكويت مثلاً، التي تسعى حكومتها لمعالجة التركيبة السكانية في غضون خمس سنوات عبر تقليص عدد الوافدين مقابل المواطنين، كشفت الجائحة أزمة كبيرة في سوق العمل، حيث يعتمد البلد على الأجانب في جل المجالات الخدمية تقريباً.
في المقابل تتعاطى مملكة البحرين بحذر مع المسألة رغم وضعها الشبيه بالكويت، وقد أسقط مجلس الشورى مشروعي قانونين يستهدفان توطين الوظائف في الدوائر الحكومية، الأمر الذي أثار ردود فعل غاضبة من البحرينيين.
والعام الماضي، أصدر "بنك الخليج" تقريراً عن اختلال التوازن السكاني في دول الخليج بسبب زيادة عدد الوافدين مقارنة بالمواطنين. وقال إن نسبة الوافدين تصل إلى 70% في الكويت، و88.53% في الإمارات، و87.3% في قطر، و47.4% في البحرين، و38.80% في سلطنة عمان، و23% في السعودية.
ومطلع العام الجاري، قال مركز الإحصاء الخليجي التابع لمجلس التعاون إن عدد سكان دول الخليج بلغ 57.4 مليون نسمة في أحدث الإحصائيات الرسمية. وأوضح أن نسبة الذكور بين سكان الخليج تبلغ 61.3%، فيما تبلغ نسبة الإناث 38.7%.
هدف يصعب تحقيقه
على الرغم من ذلك، يقول الخبير الاقتصادي المصري د. عبد النبي عبد المطلب، إن ضبط التركيبة السكانية في منطقة الخليج "هدف يصعب تحقيقه"، مشيراً إلى أن هذا الأمر يعتبر مستحيلاً في أي دولة من دول العالم عموماً.
وفي حديث لـ"الخليج أونلاين" قال عبد المطلب إن هناك إجراءات يمكن للحكومات اتخاذها؛ كمنع التجنيس، أو فرض مزيد من الرسوم على الأجانب، لكنها "لن تصل إلى ضبط السكان بشكل كامل كما هو مرجو".
وأضاف: "كل هذه الإجراءات تظل وقائية في النهاية، بحيث تضمن عدم تأثر نظام الحكم، أو التمثيل النيابي، أو دائرة صنع القرار في البلد بالخلل السكاني، لكنها لن تمنع تغير العادات وانتشار ثقافات الوافدين في المجتمع في نهاية الأمر".
وأشار عبد المطلب إلى أن منع احتفالات دينية بعينها في الأماكن العامة مثلاً لن يمنع الاحتفال بها في البيوت أو في تجمعات بسيطة.
كما أشار المحلل الاقتصادي إلى "نقطة جوهرية" قال إنها تجعل ضبط التركيبة السكانية في دول الخليج أمراً صعباً جداً، وهي وجود تنوع فعلي في السكان، ووجود عدد غير قليل من الأنشطة الاقتصادية تحت يد عرقيات أخرى.
ورغم أن بعض هذه العرقيات لا تحمل جنسية البلد الخليجي الذي تعيش فيه، فإنها تؤثر بقوة في اقتصاد البلد، بحسب عبد المطلب، الذي قال إن هذا التأثير يزيد يوماً بعد الآخر.
وخلص المحلل المصري إلى أن حكومات الخليج لا يمكنها اتخاذ إجراءات "عنيفة" لضبط التركيبة السكانية؛ لأن هذا الأمر سيقابل برفض شديد حتى لو لم يكن معلناً.
وحتى عمليات التوطين لن تفي بالغرض، برأي عبد المطلب؛ لأن ما يجري حالياً هو تشغيل مواطن مقابل كل وافد على أكثر تقدير، دون الاستغناء الكامل عن العمالة الأجنبية التي لن تتمكن الدول من الاستغناء عنها بشكل كامل.
في الأخير، يقول عبد المطلب ستظل التركيبة السكانية في دول الخليج مرهونة بالدرجة الأولى بقدرة هذه الدول على الاستغناء عن العمالة الأجنبية، وهو أمر يتطلب من مواطني هذه الدول القيام بالوظائف التي يقوم بها الوافدون، وهو أمر غير متوقع، فضلاً عن قلّة أعداد المواطنين في الأساس.