سلمى حداد - الخليج أونلاين-
لم تعد فكرة تعدد الزوجات اعتيادية بالمطلق في دول الخليج العربي، ففي السنوات الأخيرة بدأت تظهر آراء مجتمعية جزء مهم منها يتبناه الرجال، تدعو لرفض الفكرة أو تقليصها لأقل الحدود، بخلاف ما كان عليه الحال قبل عقود عندما كان الزواج بثانية أو حتى رابعة ظاهرة منتشرة.
وفي العام 2019، احتلت دول خليجية المراتب الثلاثة الأولى على المستوى العربي من حيث تعدد الزوجات، حسب تقرير "حالة الزواج في العالم العربي"، الصادر عن منتدى "الأسرة العربية حول الزواج".
وجاءت الكويت في المرتبة الأولى بتعدد زوجات بنسبة بلغت 8.13%، وتلتها قطر ثانياً بنسبة وصلت إلى 7.88%، ثم البحرين ثالثاً بنسبة وصلت إلى 5.16%، حسب التقرير نفسه.
ووفقاً لدراسة "منتدى الأسرة العربية" لم تتوافر البيانات اللازمة فيما يتعلق بالتعدد في السعودية وسلطنة عُمان والإمارات.
دعوات لوقف الزواج الثاني
وبدأت تظهر في السنوات القليلة الماضية دعوات لوقف الزواج الثاني أو تقييده بشروط، في محاولة لحسر الظاهرة.
وأحدث هذه الدعوات كانت في الكويت، حيث أوصت ندوة نظمتها الرابطة الوطنية للأمن الأسري (رواسي)، في 24 مايو 2022، بالتعاون مع جمعية المحامين الكويتية، بضرورة اتخاذ 13 إجراءً لتحقيق الاستقرار الأسري.
ومن أبرز تلك التوصيات ضرورة تقديم اقتراح لوزير العدل لإجراء تعديلات على قانون الأحوال الشخصية، لعلاج حالات الزواج الثاني الذي كثيراً ما يتم في غفلة من الزوجة الأولى.
وتنص التوصية على إلزام الزوج بإبلاغ الزوجة الأولى برغبته بالزواج عليها، وإبلاغ الثانية بأنه متزوج، وإعطاء الزوجة الأولى الحق في البقاء بالعلاقة أو طلب الطلاق خلال مدة محددة إذا هي رغبت في ذلك.
حملات إلكترونية
وفي السعودية أطلقت مجموعة من النشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي، العام الماضي، حملة تدعو للزواج بالرابعة تحت اسم "خلك رجال وتزوج الرابعة"، ولكن الحملة الإلكترونية لقيت رد فعل عكسياً، وتم استغلالها للترويج لرفض فكرة تعدد الزوجات وشارك فيها الآلاف من السعوديين.
ومن ضمن النماذج التي روجت لرفض الفكرة ما كتبه الناشط السعودي عامر الحارثي في تغريدة له حينها قال فيها: "أنا أرى أن الرجولة ليست في أن يكون عندك زوجتان وثلاث وأربع".
وأضاف: "أنا أعرف ناس زوجته وعياله بالأسبوع والأسبوعين ما يشوفونه، ونسي أنه مسؤول أمام الله عن هالأسرة، والآن يقول أريد أن أتزوج. الرجولة عدل وعقل".
فيما غرد راشد عبد الله العجمي قائلاً: "لا تعدد إذا كنت مرتاح مع زوجتك الأولى".
أما الناشط السعودي "أبو خالد" فكتب: "عندما يعجز الرجل عن التعامل مع زوجته الأولى ويضع اللوم كله عليها، ويعلق فشله عليها فيظن أن الزواج من أخرى هو الحل، متجاهلاً أن الأخرى نفس طبيعة الأولى وستطالب بما طالبت به الأولى، يكون نتاج تفكيره هو خلك رجال وتزوج الرابعة".
وفي تعليقها على ظاهرة تعدد الزوجات في المملكة، تقول الكاتبة السعودية آمنة الذروي: إن "معظم الشباب يرفضون فكرة الزواج بأكثر من امرأة واحدة، بسبب الظروف المادية الصعبة في معظم مجتمعات الخليج".
وأضافت الذروي، في تصريحات لصحيفة "العرب" اللندنية، في مايو 2021: إن "معظم الشباب في عصرنا الراهن يتجاوزون الثلاثين من عمرهم ولا يفكرون في الزواج وبناء أسرة والاستقلالية عن والديهم، فكيف سيفكرون في الزواج بأكثر من واحدة؟".
وتابعت: "أعتقد أن صعوبة الحياة المعيشية والمسؤوليات الضخمة التي تخيفهم تجعلهم لا يفكرون مطلقاً في الزواج، كما أن الرهاب من الزواج يجعل الكثيرين يحجمون عن الارتباط، لتفادي الأفكار السلبية والصور المرسومة مسبقاً عنه، والتي تثير الخوف في الشخص نفسه، ولا يستطيع السيطرة عليها".
ولفتت الذروي إلى أن الرجل السعودي عموماً ما زال يتزوج بأكثر من واحدة إذا توفرت لديه الإمكانيات المادية والأسباب الصحية والنفسية التي تشجعه على التعدد.
وأشارت إلى أن هذه العوامل قد لا تتوفر أحياناً، ومع ذلك فالبعض يقبل على الزواج أكثر من مرة بدافع التجديد كما يذكرون ذلك في مجالسهم.
وأوضحت أن التعدد منتشر خصوصاً في صفوف الرجال ما فوق سن الأربعين عاماً، "وقد يرجع السبب في ذلك إلى أن هذه الشريحة قد تزوجت في أعمار مبكرة، أي تقريباً في التاسعة عشرة من العمر، وتحملت مسؤوليات الحياة الزوجية المعقدة، من بناء أسرة وإنجاب الأطفال والعمل المتواصل لتوفير متطلباتهم، فسحقت تحت تأثير هذه الحياة الصعبة، أو هكذا يظن البعض ممن يتقاعدون ويشعرون بالملل والضجر من روتين الحياة، ما يدفعهم إلى التفكير في الزواج مرة أخرى".
وتابعت: "لكن المشكلة تكمن في أن البعض من الفتيات الصغيرات في السن قد يقبلن في بعض الأحيان بالزواج من رجال كبار في السن متزوجين سابقاً، ظناً منهن أنهن سيجدن لديهم الحياة الكريمة التي يحلمن بها".
جدل واسع
وبخلاف موقف الذروي، أثارت المتخصصة النفسية العُمانية ندى الأطرش موجة من الجدل العام الماضي، بعد حديث لها حول تعدد الزوجات وزواج الرجل من زوجة ثانية.
وقالت الأطرش، في تغريدة لها في يناير 2021: إن "زواج الرجل من زوجة ثانية ليس خيانة، بل هو قرار شجاع".
ورغم أن تغريدتها لقيت تأييداً محدوداً من الرجال فقد لقيت في نفس الوقت معارضة كبيرة لطرحها.
ورد حساب باسم "SALTM" على الأطرش قائلاً: "النساء كلهن ضد التعدد، السؤال لماذا تقبل المرأة بالزواج من رجل متزوج".
وتابع: "إذن إذا فيه تعدد المشكلة من النساء أنفسهن، اتحدوا ضد الرجال ولا تقبلوا بالزواج من رجل متزوج إطلاقاً. وسوف تنتهي هذه المشكلة، يعني العيب منكم وفيكم لا تلقوا اللوم على الرجال".
فيما قالت الناشطة العمانية ورود الوهيبي: "مشكلة إلي للحين عايش في عصر الفتوحات الإسلامية يا ماما يا أخصائية سايكولوجي شوفي الزمن شوفي العالم".
وتابعت: "الإنسان وصل لمرحلة وده يكتفي بنفسه وإذا صار وحدث وارتبط وده الشخص الوحيد إلي ما يشاركه فيه أحد ملجأه أمانة أو حتى ضالته، المهم شخص واحد، راح زمن التعدد في كل العلاقات".
إحصائيات خليجية
وفي أحدث الإحصائيات المتعلقة بتعدد الزوجات في دول الخليج، أظهرت الأرقام الصادرة عن الإدارة المركزية للإحصاء في الكويت أن 584 كويتياً تزوج بزوجة ثانية، و61 بثالثة، و5 كويتيين تزوجوا بالزوجة الرابعة خلال عام 2020.
أما في السعودية، فوفق بيانات رسمية صادرة عن الهيئة العامة للإحصاء في العام 2020، تصدرت منطقتا الباحة وحائل في المملكة نسبة التعدد في الزوجات من بين بقية مناطق المملكة، أما الأقل فالمنطقة الشرقية وتبوك.
ورصدت الإحصائية تعدد الزوجات بنسبة 14.2% في منطقة الباحة، و11.8% بمنطقة حائل، و1.3% في تبوك، و0.3% في المنطقة الشرقية.
وفي الإمارات كشفت بيانات إحصائية حديثة صادرة عن المحكمة الاتحادية بإمارات الشارقة وعجمان والفجيرة وأم القوين في العام 2020، إقبال 8% من الأزواج في هذه الإمارات على الزواج بزوجة أخرى.
ووفقاً للبيانات بلغ إجمالي عدد عقود الزواج بالزوجة الثانية التي سجلت في المحاكم الاتحادية بالعام 2020، 381 عقداً، بينهم 274 مواطناً و107 مقيمين.
وأحدث البيانات حول تعدد الزوجات المتعلقة بقطر هي الصادرة عن منتدى الأسرة العربية للعام 2019، التي قدرت نسبة التعدد في الدولة بـ7.88%.
أما البحرين فقد كشفت إحصائية لوزارة العدل والشؤون الإسلامية والأوقاف أصدرتها بالعام 2020، أن عدد الأزواج المتزوجين بأكثر من زوجة في المملكة بلغ 5163 حالة منهم 4303 حالة لبحريني، و860 لغير البحريني.