يوسف حمود - الخليج أونلاين-
يواصل التفحيط إثارة الجدل في المملكة العربية السعودية باعتباره من أغرب الظواهر المجتمعية وأخطرها، فهو يتسبب بسقوط ضحايا وسط محاولات حكومية للحد منها.
وتحولت "ثقافة" الاستمتاع الخطر بالقيادة إلى ظاهرة في السعودية، إلى درجة أنها اتخذت لها اسماً خاصاً بها هو "التفحيط"، وهو يعني الاستعراض والمناورة بإطارات المركبة حد الاشتعال في بعض المرات أمام تجمع غفير من الشباب المولع بالسيارات.
وعلى الرغم من أن التفحيط ليس ظاهرة سعودية فحسب، بل توجد في دول أخرى، فإن الشباب السعودي زاد عليها عدم مراعاتهم لاشتراطات السلامة في مركباتهم عند ممارستها، في وقت تلاقي فيه سخطاً واسعاً في أوساط السعوديين.
حادثة جديدة
أعادت حادثة جديدة للتفحيط في السعودية الحديث عن هذه الظاهرة التي حدت العقوبات الحكومية جزءاً منها، وسط مطالبات مستمرة بتغليظ العقوبات المتخذة ضد المخالفين.
ونال مقطع فيديو تداوله ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي (10 يناير 2023) إعجاباً كبيراً، حيث يظهر فيه رجل مرور يجبر أحد المخالفين للأنظمة في أحد شوارع الرياض على التوقف بالقوة.
وظهرت في المقطع سيارة مرور وهي تقف أمام مسار مركبة من نوع "شاص" قام صاحبها بالتفحيط ومحاولة عكس السير، معرّضاً حياة الآخرين للخطر.
وعقب الحادثة أعلنت شرطة مرور منطقة الرياض ضبط مركبة ظهر قائدها في محتوى مرئي يرتكب مخالفات مرورية منها (التفحيط، والسرعة الزائدة، وعدم الوقوف لرجل الأمن).
وقالت الشرطة، في بيانٍ مقتضب، إن من كان على متن المركبة حاول تعريض سلامة الآخرين للخطر، مشيرة إلى أنه يجري حالياً العمل على ضبطه وإحالته إلى الجهة المختصة.
وسبق أن تداول نشطاء في مواقع التواصل، في يوليو 2022، فيديو لأحد رجال المرور في السعودية وهو يشهر سلاحه الشخصي في وجه شاب ليوقفه عن الاستمرار في التفحيط بسيارته.
غضب شعبي
ويثير ناشطون هذه القضية من خلال عدة حملات على شبكات التواصل الاجتماعي، مؤكدين أن تلك الحوادث لا بد أن تكون بداية للحديث عن الأسباب والدوافع وراء تمسك الشباب والمراهقين بتلك العادة المميتة، ووضع الحلول الفورية لها، ومن بينها تغليظ العقوبات.
وكتب محمد صقر على صفحته في "تويتر"، قائلاً: "إن عدم احترام القانون ورجال الامن.. قضية جنائية يعاقب عليها النظام"، مضيفاً: "اضربهم بيد من حديد ولا تبالوا".
ونشر حساب تحت اسم "شركة عبد الإله الحميضي للمحاماة" معلومات عن العقوبات التي يعاقب عليها من يقوم بالتفحيط، مشيراً إلى أنه تم إصدار حكم بالسجن لمدة شهرين وغرامة بمقدار 50 ألف ريال لأحد المفحطين.
ويشكو سكان "حي الزهور (الإسكان) بـ"مدينة بيشة" من معاناة "المفحطين ومن أصوات السيارات المعدلة والسيارات التي لا تحمل لوحات في الشارع المتفرع من طريق الملك سعود"، حسب ما ذكره ناشط في "تويتر" يدعى عبد الله.
أما محمد القرشي فيرى أن "تركيب الكاميرات في الأماكن التي يكثر فيها التفحيط يعتبر رادعاً قوياً وميسراً وغير مكلف، ويكون مباشراً لإدارة مرور الحي حتى يتسنى للدوريات مباشرة الواقعة فوراً، أو حتى معرفتهم والقبض عليهم".
عقوبات رادعة
ودفع انتشار ظاهرة التفحيط في السعودية الحكومة إلى التعجيل في سن تشريعات قانونية لتجريم هذه الظاهرة، وعقوبات صارمة لمن يقوم بها في أماكن غير مسموح بها.
وأعادت إدارة المرور بالسعودية (مايو 2022)، نشر عقوبة مخالفة التفحيط بالمملكة للمرة الأولى، وتتمثل بسحب السيارة من صاحبها لمدة لا تتجاوز الـ15 يوماً، وكذلك الرخص، إلى جانب دفع غرامة مالية قد تصل إلى 20 ألف ريال (5.3 آلاف دولار)، ثم يحال المتهم إلى المحكمة المعنية بالأمر لتحديد هل يستحق تطبيق عقوبة السجن علي المتهم من عدمه.
أما عقوبة التفحيط للمرة الثانية فتتمثل في حجز المركبة المستخدمة بالتفحيط لمدة 30 يوماً، مع دفع غرامة مالية قد تصل إلى 40 ألف ريال (10.07 آلاف دولار)، ثم القيام بإحالة المتهم إلى المحكمة المعنية بالأمر لكي تحدد إذا ما كان المتهم يتطلب السجن أو لا.
وفي المرة الثالثة حددت العقوبات مصادرة السيارة نهائياً، مع دفع غرامة مالية قدرها 60 ألف ريال (نحو 17 ألف دولار)، مع تحويل أوراق المتهم إلى المحكمة المختصة للنظر في أمر سجنه.
بين الموت.. والهروب
تمارس هذه الظاهرة بكثرة أثناء فترة الامتحانات الدراسية، فيخرج الطلاب مبكراً من المدارس لتكون لديهم فرصة مشاهدة التفحيط قبل العودة لمنازلهم.
لكن في السنوات الأخيرة قامت بعض المؤسسات السعودية بتأسيس أندية مخصصة للتفحيط تتوفر فيها جميع وسائل السلامة، وتتم عملية التفحيط في مكان آمن بحضور جماهيري كبير، إلا أن ذلك لم يقضِ على الظاهرة تماماً.
حيث يجد بعض المفحطين المشهورين أن ذلك يحد من موهبتهم، ومن المساحة المطلوبة لممارسة التفحيط بشكل فيه من المغامرة الشيء الكثير، وربما التهور الذي يؤدي أحياناً إلى حوادث مميتة.
ولا تزال حاضرة في الأذهان بالسعودية القضية الشهيرة للمفحط (أبو كاب)، الذي عمل ضابطاً بالبحرية السعودية، حيث حكم عليه بالإعدام عام 2005، بعدما أدين بقتل ثلاثة قصر في حادث تفحيط، ثم خفف لاحقاً إلى ثلاثة آلاف جلدة و20 عاماً سجناً.
ووفقاً لإحصائية عام 2021، فإن عدد المصابين سنوياً نتيجة الحوادث المرورية في المملكة، ومن بينها التفحيط، بلغت 4.652 وفاة، بارتفاع 0.7%، عن 2020، فيما سجلت الإصابات 25.512 إصابة، وبلغ عدد الحوادث 330.454 حادثاً، والتي ارتفعت بنسبة 45.4%.