مؤسسة "كارنيجي" الأمريكية-
قال تحليل نشرته مؤسسة "كارنيجي" الأمريكية للأبحاث، إن الفورة التي تشهدها مجالات الترفيه والرياضة في السعودية، والتي تجلت في زيادة الحفلات والمهرجانات وجلب نجوم الترفيه والرياضة العالميين إلى المملكة، تدور ضمن سياق عام يقوم على برنامجين حكوميين يمثلان جزئين رئيسين من مشروع رؤية 2030: الأول "برنامج جودة الحياة"، والثاني "برنامج تنمية القدرات البشرية".
ووفق التحليل، الذي كتبه سلطان العامر، المتخصص في العلوم السياسية، يهدف هذين البرنامجين لتغيير المدينة السعودية وهوية المواطن.
جودة الحياة وتنمية القدرات البشرية
فالبرنامج الأول، "جودة الحياة"، يهدف إلى تحويل المدينة السعودية والحياة اليومية فيها من مدينة خاوية ثقافياً ورياضياً وترفيهياً ومكبّلة بالقيود القانونية إلى مدينة "عالمية" مُمتعة تنافس غيرها من المدن العالمية على جذب السياح والاستثمارات والمبدعين.
أما الثاني، "تنمية القدرات البشرية"، فيهدف لتحويل هوية وسلوك المواطن من مواطن ذي هوية محافظة يعتمد على الانفاق الحكومي من ريع النفط ليصبح، كما يصفه البرنامج، "مواطنا منافسا عالمياً".
ويرى العامر أن هذه البرامج تديرها نخبة بيروقراطية جديدة ذات أيديولوجية إدارية لا ترى بأساً في تنفيذ أجندتها النيوليبرالية بتوسّل أدوات سلطوية لا تأبه برأي وإشراك المواطن الذي تريد تغيير حياته وهويته وسلوكه.
وتعاقدت السعودية مع الأسطورة البرتغالي كريستيانو رونالدو، وبعده النجم كريم بنزيما ليلعبا في فرق الدوري، وفي المجال الترفيهي استضافت المملكة قائمة طويلة من نجوم الغناء العالمي الذين قدموا للسعودية لإقامة مهرجانات تبدأ مع جانيت جاكسون، ماريا كوري، جاستن بيبر، ولا تنتهي مع مغني الأوبرا أندريا بوتشيلي وفرقة "بي تي إس" الشهيرة.
ردات فعل قاصرة
وأشار التحليل إلى ردات الفعل حول هذه الفورة السعودية انقسمت إلى قسمين: الأوّل احتفائي، يعتبره غير مسبوق ودليل إضافي على نجاح الحكومة السعودية في "تحرير" المجتمع السعودي من "انغلاقه". أما القسم الثاني، وهو السائد في الدوائر الناشطة في مجال حقوق الإنسان، فيعتبره محاولة من الحكومة السعودية لتلميع صورتها وصرف الانتباه عن – ما وصفته منظمة العفو الدولية في تعليقها على التوقيع مع رونالدو- "سجل البلاد المروّع في مجال حقوق الإنسان".
ويعتبر الكاتب أن هذين الموقفين قاصرين ويغفلان السياق العام المشار إليه في بداية التحليل.
ولا تتوفر معلومات حول ميزانية كل برنامج، لكن عندما أطلقت خطة جودة الحياة للفترة من 2018-2020 ذُكر أن ميزانيته 13.3 مليار دولار.
وفي نشرة ميزانية 2023 ذكرت ميزانية البرنامج ضمن ميزانية قطاع الصحة والتنمية الاجتماعية التي تضم غيره من المبادرات حيث قدرت بـ 50 مليار دولار (16.8% من إجمالي ميزانية 2023). أما برنامج تنمية القدرات البشرية، فلا توجد معلومات معلنة عن ميزانيته.
برامج سلطوية لا رقابة شعبية
ويشير الكاتب، في ختام تحليله، إلى أن هذين البرنامجين "جودة الحياة" و "تنمية القدرات البشرية" يتم تنفيذهما بلا رقابة شعبية، وهي غير مقيدة بحقوق مدنية وسياسية، ولا تسمح بمشاركة مؤسسية للمواطنين في صناعة القرار.
وعلى ما يبدو، فإن النخبة البيروقراطية التي تدير هذه البرامج، وكثير منهم جاءوا من القطاع الخاص أو خريجوا برنامج الابتعاث من الذين درسوا في دول ديمقراطية مثل الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة وكندا، لا ترى أن هذه السمات السلطوية للبرامج عبئاً عليها التخلص منها أو صرف الإنتباه عنها، بل عبارة عن مزايا تساعدها في تنفيذ أعمالها.
ويرى العامر أنه من غير الواضح مدى التواؤم والتنسيق بين هذه البرامج والأجهزة الأمنية التي في بعض الأحيان تظهر وكأنها تعمل ضد أهدافها وفي أحيان أخرى بانسجام وتناسق معها.