محمد أبو رزق - الخليج أونلاين-
قال المستشار السابق في مركز المعلومات الجنائية لمكافحة المخدرات بمجلس التعاون الخليجي، خالد الصلال، إن دول الخليج تتعرض لـ"حملة ممنهجة وشرسة" لإغراقها بالمخدرات، خاصةً الكبتاغون.
وأكد الصلال خلال حوار خص به "الخليج أونلاين"، أن سوريا أصبحت مركزاً أساسياً لشبكة صناعة وترويج الكبتاغون والمخدرات، حيث تمتد إلى لبنان والعراق وتركيا وصولاً إلى دول الخليج مروراً بدول أخرى أفريقية وأوروبية، وصولاً للسعودية "السوق الأول للكبتاغون".
وأضاف الصلال: "الحجم الكبير للكميات المضبوطة مؤخراً في دول مجلس التعاون خلال العام الحالي والأعوام السابقة، يؤكد أن هناك هجمة شرسة واستهدافاً ممنهجاً من قبل شبكات إنتاج وتهريب مخدر الكبتاغون لدول المنطقة".
وذكر أن هناك ارتفاعاً في معدلات تهريب المخدرات بكميات هائلة قادمة من بعض الدول المجاورة، التي تشهد انفلاتاً أمنياً، ودخولها دول مجلس التعاون في الآونة الأخيرة لاستهداف الشباب الخليجي، وإضافة مواد كيميائية سامة وخطيرة لمخدر الكبتاغون.
ومن خلال نتائج التحاليل المخبرية للعينات المضبوطة، وبناءً على ما توافر لدى أجهزة مكافحة المخدرات بدول المجلس من معلومات استخباراتية، تبيَّن أن تلك الشبكات تهدف إلى تدمير المواطن الخليجي؛ "الأمر الذي استدعى وضع خطة عاجلة للتصدي لتلك الهجمة"، وفق الصلال.
طريقها للخليج
وبيَّن أن تلك الحبوب تُهرّب براً إلى الأردن ولبنان، ومنها إلى موانئ بيروت البحرية والجوية، في حين تخرج النسبة الأكبر من سوريا نفسها عبر ميناء اللاذقية المطل على البحر المتوسط.
وتابع الصلال: "بعد ذلك توزع شحنات الكبتاغون لعدة دول، من بينها تركيا ولبنان والأردن واليونان وإيطاليا وفرنسا، وأماكن بعيدة مثل ألمانيا ورومانيا وماليزيا، ومعظم هذه البلدان ليست أسواقاً مهمة للعقار لكنها مجرد محطات في طريقها نحو دول الخليج، خصوصاً السعودية".
وأوضح أن تركيا تعد مصدراً لمواد أساسية في تصنيع المخدر، ووفق الجهات اللبنانية فإن "مادة (ديثيل الأثير)، وهي أحد أنواع الكلوروفورم المكون الأساسي في صناعة الكبتاغون، معظمها يدخل من تركيا.
ولفت إلى أنه في السنوات الماضية انتشرت في دول الخليج العربي مادة الكبتاغون، وضبطت شحنات متتالية من هذا العقار في السعودية والكويت والإمارات والأردن ومصر، قادمة من لبنان وسوريا اللتين أصبحتا الأبرز في تصنيع وتصدير مادة "الفينيثيلين" بالمنطقة، وهو الاسم العلمي للكبتاغون.
وتشير الأرقام، وفق الصلال، إلى ضبط أكثر من 250 مليون حبة كبتاغون عالمياً عام 2021، وهو رقم يعادل 18 ضعفاً للكمية التي ضبطت قبل أربع سنوات فقط.
وكشف أن هناك تصنيعاً محلياً لبعض المواد المخدرة داخل دول مجلس التعاون، والتي منها المؤثرات العقلية ومادة الشبو وحبوب الكبتاغون والترامادول، ولكن ذلك التصنيع يشكل نسبة أقل من المخدرات التي تصل من خلال التهريب.
وذكر أن المخدرات بالمجتمع الخليجي ليست ظاهرة متأصلة ولكنها مستحدثة ومحدودة.
خطورة الكبتاغون
وعن خطورة الكبتاغون، يوضح المستشار السابق في مركز المعلومات الجنائية لمكافحة المخدرات لمجلس التعاون الخليجي، أنه يشكل خطورة على المخ والجهاز العصبي، ويدمره تدميراً شديداً.
ويبين أن الكبتاغون وفق دراسات علمية، يدمر الخلايا العصبية المسؤولة عن إنتاج الأدرينالين والدوبامين والسيراتونين، ويؤدي تعاطيه لفترات طويلة إلى ضمور بالمخيخ والجهاز العصبي، إضافة إلى الشعور بالهلوسة والأوهام البصرية والسمعية وتخيل الأشياء.
ويتسبب تعاطي الكبتاغون، حسب حديث الصلال لـ"الخليج أونلاين"، في نقص المناعة ويجعل جسم المدمن عرضة للإصابات بالأمراض، وضمور المخ وإصابة الجهاز العصبي، والإصابة بحالات التشنج والصرع، ويسبب الأمراض النفسية مثل الاكتئاب.
وحذّر من أن تعاطي الكبتاغون عن طريق الحقن الملوثة يؤدي إلى إصابة المتعاطي بالأمراض الخطيرة مثل الإيدز.
وأشار إلى أن أكثر أنواع المخدرات المستخدمة حالياً في منطقة الخليج هي حبوب الكبتاغون (الأمفيتامينات) وكذلك مادة الشبو (الكريستال ميث أو الميتامفيتامين) ومن ثم السيكونال (المثبطات والمهدئات)، ويأتي الحشيش بعد ذلك ثم الهيروين، إضافة إلى أن أكثر متعاطي المخدرات من العزاب.
استراتيجية جديدة
وحول الجهود الخليجية لمكافحة الكبتاغون والمخدرات بشكل عام، بيّن الصلال أنه تم تشكيل فريق عمل خليجي موحد لمكافحة المخدرات، وضبط مهربيها وملاحقتهم دولياً، تحت إشراف مركز المعلومات الجنائية لمكافحة المخدرات، إلى جانب وضع خطة عاجلة واستراتيجية جديدة للتصدي للهجمة الشرسة.
وذكر أن من أبرز التحديات التي تواجه دول مجلس التعاون لمواجهة المخدرات، تكثيف التعاون مع دول الإنتاج والتصدير والعبور، بجانب الارتقاء بمستوى العاملين في المكافحة من خلال زيادة البرامج والدورات التدريبية للاطلاع على كل ما هو جديد لدرء مخاطر المخدرات التي بدأت تتسع دوائرها بشكل مثير للانتباه.
ولفت إلى أن دول المجلس انتهجت في السنوات الأخيرة استراتيجية جديدة لمكافحة المخدرات أثمرت نجاحات نوعية وإحباط عديد من المحاولات لتهريب المواد المخدرة والمؤثرات العقلية، وتم اكتشاف طرق وأساليب إخفاء جديدة لتهريب الحبوب المخدرة والمؤثرات العقلية.
وشدد على أن مكافحة المخدرات تقتضي العمل في مستويات متعددة من النشاطات، خاصةً أنها مشكلة عالمية وإقليمية ومحلية؛ وهو ما يتطلب التعاون على المستويات كافة لأجل وقف إنتاجها وتهريبها واستهلاكها.
واعتبر أن مكافحة المخدرات، خاصةً مادة الكبتاغون، تتطلب تعاوناً دولياً فعالاً وجهوداً مشتركة من قبل الجهات الحكومية والمدنية والأفراد، ودول مجلس التعاون تلتزم بتعزيز التعاون الدولي والتنسيق بين الدول في هذا المجال بوضع رؤية وآليات عمل منهجية لمحاربة هذه الظاهرة والوقاية منها.
وأشار إلى أنه يجب تطوير الإجراءات والسياسات المعمول بها لمكافحة المخدرات؛ وذلك للوصول لعالم خالٍ من المخدرات بمحاربة تجارتها قبل وصولها، وتقديم العون لمتعاطيها بتوفير سبل العلاج لهم وإعادة إشراكهم في المجتمع ودمجهم مع أفراده بعد تعافيهم.
وأردف بالقول: "أمين عام مجلس التعاون الخليجي جاسم البديوي، سبق أن أكد أن ظاهرة المخدرات عالمية الملامح والأبعاد، وبسبب انتشارها الواسع عبر الدول والقارات، مكافحتها تقتضي تعزيز أوجه التعاون بين الجهات المتخصصة في هذا المجال وعلى المستويات الوطنية والإقليمية والدولية كافة حتى يتسنى تطويقها وشل حركة مهربيها والحد منها عرضاً وطلباً".
الجهود الخليجية
وقال الصلال إن قادة دول مجلس التعاون "ذهبوا من خلال مباركتهم السامية لإنشاء مركز المعلومات الجنائية لمكافحة المخدرات لمجلس التعاون لدول الخليج العربية في عام 2010، والذي اتخذ من دولة قطر مقراً له؛ ليشكل دافعاً قوياً لجهود دول المجلس في دعم وتعزيز العمل الخليجي المشترك في مجال مكافحة الاتجار غير المشروع بالمخدرات".
وتعمل الأجهزة الأمنية في دول الخليج، وفق الصلال، على التصدي للمخدرات والتوعية بأضرارها ومخاطرها عبر محاضرات توعوية ووسائل إرشادية تقوم بها الأجهزة الأمنية والصحية.
ويضيف لـ"الخليج أونلاين": "تعمل السعودية ضمن دورها المجتمعي في التوعية والتثقيف من أجل زيادة الوعي ومعرفة أضرار المخدرات في سبيل حماية المجتمع وتعزيز الجانب الصحي والتثقيفي لمحاربة هذه الآفة الخطيرة، كما تبذل حكومة المملكة جهوداً كبيرة في تتبُّع الشبكات الإجرامية على المستويين الإقليمي والدولي".
وشدد على أنّ وقف ترويج المخدرات لن يكون إلا من خلال التعاون الدولي بين الدول والمنظمات ونشر الوعي، مبيناً أن "دول الخليج لا تعمل وحدها، بل هناك تعاون مع دول أخرى ومنظمات، منها إقليمية ودولية، من خلال مشاركة المعلومات وتبادلها سواء كانت لعمليات استباقية أو تحديث أساليب التهريب، وكذلك أساليب الإخفاء وغيرها، لذلك التعاون الدولي هو أساس عمل مكافحة المخدرات؛ لكونها عابرة للحدود".
ويوصي المستشار السابق في مركز المعلومات الجنائية لمكافحة المخدرات لمجلس التعاون الخليجي، بزيادة تكثيف جانب التوعية للأطفال والمراهقين بخصوص العواقب الخطيرة للاستخدام غير المشروع للعقاقير المخدرة والإدمان، وذلك من خلال النظام التعليمي ومن خلال وسائل الإعلام والمؤسسات الدينية.
وأكد ضرورة إعداد الخطط الأمنية لجميع المنافذ البرية والبحرية والجوية بشكل دوري يتناسب مع التطورات التقنية التي يستخدمها المهربون، مع تدريب الأفراد العاملين عليها باستمرار.