يوسف حمود - الخليج أونلاين-
لا يزال ملف تجنيس البدون في الكويت أو من يطلق عليهم المقيمين بصورة غير قانونية أو "غير محددي الجنسية"، يبرز بين حين وآخر، كقضية من القضايا المؤثرة على الوضع في البلاد، ومن المشاكل المعقدة والشائكة والقديمة، التي تعود جذورها إلى عشرات السنين.
ومع تبني عدد من النواب الكويتيين قضية البدون ضمن برامجهم وحملاتهم الدعائية في الانتخابات النيابية التي جرت في يونيو الماضي، بدأ عدد منهم بطرح مقترحات وتصورات لحل القضية.
وتظل مشكلة "البدون" وحصولهم على الجنسية الكويتية إحدى القضايا الحساسة في المجتمع الكويتي التي يجمع معظم الكويتيين على ضرورة إيجاد معالجة لها بصورة تضمن المصلحة العليا للبلاد، وفي الوقت نفسه تضمن لهذه الفئة العيش الكريم بالبلاد، فهل تتحقق مطالب النواب، أم أن القضية ستستمر دون حلول جذرية؟ يتساءل مراقبون.
مقترحات جديدة
بينما بدأ مجلس الأمة الجديد عقد اجتماعاته لمناقشة أبرز القضايا على الساحة الكويتية، برزت قضية "البدون" بعدما تقدم نواب باقتراح بقانون تجنيس 4 آلاف من البدون سنوياً.
الاقتراح الذي طرحه النواب محمد هايف وخالد العتيبي وعبد الله فهاد ومبارك الحجرف وبدر سيار، ينص على أن تكون أولوية التجنيس لأبناء الكويتيات وحملة إحصاء 1965 والعسكريين المشاركين في حرب تحرير الكويت وحربي 1967 و1973 وأبناء الشهداء.
وسبق أن طالب النائب هايف الذي كان ضمن مجلس الأمة السابق 2022، بسرعة حل ملف البدون الذي تمت مناقشته في سنوات سابقة، معتبراً أن الجهاز المركزي لمعالجة أوضاع المقيمين بصورة غير قانونية "عقّد القضية ولم يعالجها وجعلها ككرة الثلج".
وفي نوفمبر 2022، تقدم رئيس مجلس الأمة الكويتي (الحالي والسابق) أحمد السعدون، بمقترح يركز على وضع حل شامل ونهائي لجميع طلبات الحصول على الجنسية الكويتية ومن بينهم "البدون".
والبدون في الكويت بحسب تسمية الحكومة، هم "المقيمون بصورة غير قانونية"، والتسمية أطلقت عليهم لكونهم عديمي الجنسية (بدون جنسية)، ولا توجد إحصائية رسمية حديثة بعددهم، لكن مختصين بالشأن الكويتي أكدوا أن عددهم يتجاوز 100 ألف شخص.
توجه حكومي.. وأرقام
ولعل التصعيد النيابي والشعبي المطالب بحل قضية البدون وإلغاء "الجهاز المركزي لمعالجة أوضاع المقيمين بصورة غير قانونية"، قد دفع ولي عهد الكويت الشيخ مشعل الأحمد، إلى عقد لقاء في ديسمبر الماضي، مع الرئيس التنفيذي للجهاز المركزي لمعالجة أوضاع المقيمين بصورة غير قانونية، صالح الفضالة.
وحينها قالت وكالة الأنباء الكويتية "كونا"، إنَّ ولي عهد الكويت أشاد بجهود الجهاز في أداء مهامه حفاظاً على مكونات المجتمع، مؤكداً أن "حكام الكويت جُبلوا على صون الهوية الوطنية".
ولا توجد إحصائية رسمية بأعداد "البدون"، لكن الجهاز المركزي لمعالجة أوضاع المقيمين بصورة غير قانونية أعلن في أكتوبر من العام الماضي، عن تعديل أوضاع 18427 شخصاً من هؤلاء منذ عام 2011 حتى نهاية سبتمبر 2022، في وقتٍ تقول منظمة "هيومن رايتس ووتش" إن عدد البدون بالكويت يتجاوز 100 ألف شخص.
ونقلت الوكالة الحكومية عن مدير إدارة تعديل الأوضاع في الجهاز العميد محمد الوهيب، قوله إن 9372 شخصاً من المقيمين بصورة غير قانونية أنهوا إجراءات تعديل أوضاعهم في جميع أجهزة الدولة، وحصلوا على إقامات قانونية في البلاد.
وأضاف الوهيب أن إدارات الجهاز المختلفة قامت بالاستدلال على جنسيات 9055 شخصاً آخرين بوثائق مؤكدة وقرائن صحيحة تخص الأب أو الجد أو الشخص نفسه، وقد قام الجهاز بإبلاغ المعنيين بها، وتجري متابعة إجراءات تعديل أوضاعهم.
وذكر أن 12901 شخص من الجنسية السعودية، منهم 5945 شخصاً أتموا إجراءات تعديل أوضاعهم في أجهزة الدولة، وجارٍ متابعة تعديل أوضاع 6956 شخصاً إلى هذه الجنسية.
"مطالبات خجولة"
على الرغم من المقترح الأخير الذي طرحه عدد من أعضاء مجلس الأمة الكويتي بشأن قضية البدون، فإن رئيس حزب المحافظين المدني الكويتي حماد النومسي، يرى أن "جميع نواب مجلس الأمة بلا استثناء مقصرون جداً تجاه هذه القضية"
ويعتقد أن المطالبات التي يتم طرحها من حين لآخر، "خجولة ولا ترقى للحدود الدنيا من طموح الكويتيين البدون".
وفي حديثه لـ"الخليج أونلاين"، يقول النومسي: "مثل هذه المطالبات لم ترقَ لما قرره الجهاز المركزي لمعالجة أوضاع المقيمين بصورة غير قانونية، والذي أقر سابقاً أحقية 34 ألفاً من أبناء فئة ومجتمع الكويتيين البدون واستحقاقهم الفوري للتجنيس".
ورغم اعتراض النومسي على وجود هذا الجهاز الذي شُكل بأمر أميري، بسبب ما قاله إنه "تسميته وممارساته التعسفية ضد الكويتيين البدون، وكذلك مع اعتراضي على الرقم الهزيل الذي قرره الجهاز أصلاً"، فإنه يجدد تأكيده أن النواب "لم يرتقوا حتى لما طرحه هذا الجهاز سابقاً من بعض القرارات".
وبخصوص تجنيس البدون، يقول: إنه "يمكن تجنيس الجميع وليس 4 آلاف سنوياً كما تم اقتراحه"، مشيراً إلى أنه "لا توجد أية عوائق موضوعية تُذكر سوى العنصرية والظلم والتعنت الحكومي".
وأضاف: "حتى لو كانت هناك معوقات فإن العدل وإعادة الحق إلى أصحابه يستحقان أقصى مستويات الجهد ويستلزمان بالضرورة تحمُّل المسؤولية التاريخية من المجلس النيابي والحكومة، وتذليل الصعاب والمعوقات كافة".
حلول سابقة.. ومعلومات
ويعتبر البدون من عديمي الجنسية من عدة جنسيات ويُطالبون بالجنسية الكويتية، وتعود محنتهم إلى تأسيس دولة الكويت في 1961، حيث تطلق الحكومة عليهم تسمية "مقيمين غير شرعيين"، رافضةً مطالبتهم بالجنسية الكويتية؛ ما أدى إلى عقبات بوجه حصولهم على الوثائق المدنية والخدمات الاجتماعية، والمس بحقوقهم في الصحة، والتعليم، والعمل.
وأسست الحكومة الكويتية عام 2011، الجهاز المركزي لمعالجة أوضاع المقيمين بصورة غير قانونية، وهو الهيئة الإدارية المسؤولة عن شؤون البدون، ويصدر بطاقات هوية مؤقتة منذ ذلك العام.
وهذه البطاقات تشير في أحيان كثيرة، إلى أن حاملها لديه الجنسية العراقية، أو السعودية، أو الإيرانية، أو غيرها، لكن ليس واضحاً كيف يحدد الجهاز جنسية الفرد وما الإجراءات القانونية المتاحة للبدون للاعتراض على قرار الجهاز.
وتشير بعض الدراسات إلى أن أكثرية "البدون" في الكويت -الذين لا تعترف بهم الحكومة، ويقطن أغلبيتهم مناطق الجهراء وتيماء والصليبية- من أبناء البادية الرحل من قبائل شمال الجزيرة العربية، وقسم كبير منهم ينتمي إلى الطائفة الشيعية.
وقدر عددهم قبل غزو العراق للكويت عام 1990 بما بين 220 ألفاً و350 ألفاً، لكن هذا العدد تقلص لاحقاً (حتى عام 2010) إلى ما بين 95 ألفاً و110 آلاف (حسب تفاوت مصادر البيانات)، وأصبحوا يشكلون نحو 4% من سكان الدولة، مقابل 40% هم كويتيون، والباقي من جنسيات مختلفة.
ويُقسّم "البدون" في الكويت إلى مجموعتين: الأولى هي "عديمو الجنسية القانونيون"، وأصحابها لا يتمتعون بأي جنسية، وسيبقون كذلك إلى أن يُمنحوا الجنسية الكويتية أو يَكتسبوا جنسية دولة أخرى.
أما المجموعة الثانية فهي فئة "عديمي الجنسية الفعليين"، وهم الذين تقول الحكومة الكويتية إنهم أخفوا جنسياتهم الفعلية ويصعب إثبات انتمائهم إلى أي دولة أخرى.