كامل جميل - الخليج أونلاين-
يبدو أن دول الخليج تمكنت من أن تكون الوجهة المفضلة للاستقرار والعمل وبناء المستقبل للأوروبيين من أصول عربية؛ ما يشير إلى أن هناك هجرة عكسية من أوروبا إلى الشرق الأوسط.
الهجرة العكسية هذه أكدها تقرير نشره موقع "ميديا لاين" الأمريكي، الجمعة (29 مارس 2024)، قال فيه إن دول الخليج تشهد موجة كبيرة من هجرة أوروبيين من أصول عربية للانتقال للعيش فيها، مؤكداً ارتفاع عدد الأوروبيين في بعض دول الخليج بنسبة تزيد على 30%، إذ بدأ عددهم بالتزايد في 2023 وبداية 2024.
التقرير بين أن بعض الأوروبيين من أصول عربية الذين انتقلوا للعيش في دول الخليج، كانوا يعيشون في المنطقة سابقاً، لكنهم اختاروا العودة إلى الخليج بسبب عوامل عدة.
أبرز هذه العوامل ارتفاع نسب الضرائب في أوروبا وانخفاضها في الخليج، إضافة إلى مشاكل اجتماعية وثقافية واجهتهم في دول أوروبية عدة، فضلاً عن أن بعض هؤلاء غادروا دولاً أوروبية إلى دول خليجية بحثاً عن أنماط حياة فاخرة متوفرة فيها.
دول الخليج -بحسب التقرير- تشكل جاذبية كبيرة للعديد من المهاجرين الأوروبيين؛ بسبب سهولة ممارسة الأعمال التجارية، والمشاريع الاقتصادية الكبيرة.
يضاف إلى ذلك أن العديد من دول الخليج تقدم التأشيرة الذهبية التي توفر الإقامة للمستثمرين ورجال الأعمال والعمال ذوي المهارات المهنية المرتفعة.
ويلفت التقرير إلى أن قوانين الهجرة في السعودية والإمارات والبحرين وقطر، تمنح الإقامة الذهبية للمقيمين الحاصلين على درجات علمية متقدمة وأصحاب العقارات الفاخرة، والمبدعين والموهوبين، أو أولئك الذين يتجاوز دخلهم الشهري 10 آلاف دولار. ويتم منح المقيمين المندرجين ضمن إحدى هذه الفئات إقامة دائمة قابلة للتجديد لمدة 10 سنوات.
وأوضح أن إحصاءات سكانية رسمية في دول خليجية أظهرت زيادة بـ3% إلى 5% في عدد الأجانب المقيمين فيها.
نمو اقتصادي
الميزات التي تطرق إليها الموقع الأمريكي يأتي في مقدمتها النمو الاقتصادي الكبير الذي تتمتع به دول الخليج، وما تشير إليه التوقعات المستقبلية بمواصلة هذه الدول تسجيل معدلات نمو عالية، أحد أسباب الجذب التي تشجع إلى توافد الأجانب للاستقرار بها.
فوفق ما كشف تقرير آفاق الاقتصاد العالمي الصادر عن بنك أبوظبي الأول، في فبراير الماضي، ستتخطى دول مجلس التعاون الخليجي التوقعات العالمية لعام 2024، مدعومة بالاستثمارات المحلية طويلة الأجل في المنطقة.
بحسب التقرير، ستبلغ نسبة النمو في دول مجلس التعاون 3.4% في عام 2024، بما يتخطى المعدل العالمي المتوقع، والبالغ 3.1% و2.1% في الولايات المتحدة لعام 2024 .
الخطط والأنظمة المحفزة التي وضعتها دول الخليج مكنتها من استقطاب الكفاءات والاستثمارات والكفاءات الخارجية.
يأتي ذلك بالتزامن مع حاجة دول الخليج لطاقات إبداعية في مجالات عدة، تعدّ بوابة لجذب الأوروبيين من أصول عربية.
ومع تغير احتياجات سوق العمل في دول الخليج باستمرار، ولكن هناك عدة وظائف تظل طلباً عالياً في هذه الدول؛ نظراً لنمو الاقتصاد وتطور البنية التحتية.
وفي بحث أجراه "الخليج أونلاين" عن أهم هذه الوظائف تبين أن على رأسها وظائف في مجالات الهندسة المدنية، والهندسة المعمارية، والهندسة الكهربائية والميكانيكية، وهندسة البترول.
وأيضاً هناك حاجة كبيرة لوظائف في تقنية المعلومات والاتصالات، والطب والرعاية الصحية، والمبيعات والتسويق، والمالية والمحاسبة، والتعليم والتدريب، والضيافة والسياحة.
يؤكد أشخاص من جنسيات عربية اكتسبوا جنسيات أوروبية أن دول الخليج مقصد مهم لهم؛ لأسباب مختلفة من بينها المفهوم الاجتماعي والثقافي.
حسين الخرسان، وهو رجل أعمال عراقي، يحمل الحنسية الدنماركية منذ نحو ثلاثين عاماً، يقول لـ"الخليج أونلاين" إنه حاصل على الإقامة في الإمارات التي اتخذها مستقراً لعائلته.
يشير الخرسان إلى أن "دول الخليج، ولا سيما الإمارات وقطر والسعودية وسلطنة عُمان، حققت طفرات نوعية في التطور، وتتمتع باستقرار اقتصادي عالٍ وهناك مشاريع استثمارية مغرية ما يشجعنا على القدوم إليها".
وسيم العمر، وهو سوري يحمل الجنسية السويدية، يقول لـ"الخليج أونلاين" إنه بدافع الاستقرار العائلي والاجتماعي، ووجود فرص عمل تحقق طموحه يسعى إلى الاستقرار في الكويت.
العمر، وهو شاب تزوج حديثاً، يضيف: "أصبح المجتمع السويدي مع القوانين المتبعة يخالف توجهاتي الدينية والاجتماعية، لن أستطيع ممارسة دوري كأب في بيتي إذا بقيت هناك، هذا أبرز ما دفعني للقدوم إلى الخليج".
أثر اختلاف الثقافات
المستشار والباحث في الشؤون الأوروبية والدولية، حسام شاكر، أكد أن خلفية التوجه بالاستقرار في دول خليجية معينة هي "خلفية مركبة".
ويرى شاكر، الذي تحدث لـ"الخليج أونلاين" أنه "من الطبيعي أن تكون الدول العربية وجهة هجرة محتملة لمن هم من أصول عربية وحصلوا على جنسيات أوروبية ويبحثون عن بيئة مريحة لهم من الناحية الثقافية والاجتماعية وهذا يتوفر في دول الخليج".
ويرى أن هذا التوجه "يمثل أيضاً أهمية خاصة فيما يتعلق بتنشئة الأجيال لبيئة هذه الأسر العربية الأوروبية بحيث تجد في البلدان الخليجية وفرة اقتصادية وفرصة مركبة للحالة الاجتماعية والتنشئة الأسرية".
الجانب الآخر، بحسب شاكر، يتمثل بوجود أسر عربية تحاول أن تقيم في بلدان أوروبية وتحصل على مواطنتها، لتختار وجهة اخرى، مؤكداً أن العرب من حملة الجنسيات الأوروبية بقدومهم للخليج "يبحثون عن بيئات مناسبة لهم ثقافياً وجاذبة اقتصادياً وملائمة تربوياً واجتماعياً".
ويضيف أن هناك ظاهرة ليست جديدة لكنها موجودة أيضاً، وتتمثل بالأشخاص العرب الذين كانوا يعملون في دول خليجية ثم يهاجرون لأوروبا ويحصلون على الجنسية الأوروبية ويعودون مرة أخرى لدول الخليج.
ويوضح أن "هؤلاء عادوا وهم إما لديهم إمكانيات علمية جديدة أو اكتسبوا خبرات ومهارات جديدة أو تمكنوا من بناء ثروة، ما يتيح لهم العيش بدول الخليج".
ويوصل: "توجد أيضاً ملاحظة مهمة هي أن البلدان الأوروبية شهدت في السنوات الأخيرة شكاوى من وجود حالات تضييق ثقافي، شعوبي، وضعف الأمان في موضوع تنشئة الأجيال".
ويتابع: "على إثر ذلك نشأت ظروف في بعض البلدان يمكن وصفها بأنها طاردة، سواء للذين حصلوا على جنسيات أوروبية أو الذين يحسبون على الجيل الثاني والثالث لهذه البلدان أي الذين نشؤوا وولدوا في بلدان أوروبية، بل إن من العرب من حملة الجنسيات الدول الاسكندنافية على سبيل المثال انتقلوا إلى بلدان أخرى في أوروبا للخلاص من التضييق الذي يتعلق بتنشئة الأجيال".
وفق ذلك يرى شاكر أن عمليات الانتقال هذه مفهومة جداً في عالم متداخل بكل تأكيد؛ لافتاً إلى أن حيازة جنسية أوروبية يمثل امتيازاً لحاملها في أي مكان بالعالم قياساً بجنسيات أخرى.