ساهمت وسائل التقنية الحديثة، وأهمها مواقع التواصل الاجتماعي في الآونة الأخيرة، في إبراز ظواهر أو عادات «سلبية» يعيشها المجتمع السعودي، ومنها الإسراف، أو ما يُعرف محلياً بـ«الهياط»، وهو المبالغة والمباهاة والتفاخر في ولائم الطعام، وفرش آلاف الريالات والذهب على الأرض ونثرها في المناسبات، والمغالاة في المهور.
فيما نقلت مظاهر العنصرية القبلية والافتخار بالنسب والانتماء القبلي أو «التعصب الجنسي بين الرجل والمرأة». وتعالت أصوات بعض الفئات للتعبير عن معاناتهم، بسبب الزواج التقليدي «المرتب».
وعبر مغردون على موقع التواصل الإجتماعي «تويتر» خلال اليومين الماضيين، عن آراءهم من خلال وسم «#عاده_اجتماعيه_تتمني_زوالها»، الذي حصد آلاف التغريدات وتصدر القائمة الأكثر تداولاً في السعودية، مطالبين بزوال العادات التي تؤثر بصورة سلبية على المجتمع التي راوا أن أهمها: العنصرية والإسراف والزواج التقليدي.
وذكرت المغردة جنوبية أن «التكلف الزائد في الاعراس والمناسبات والمباهاة وتعقيد الأمور، حتى الواحد يعمل الف حساب لكل مناسبه». وأشار إبراهيم إلى أن «غلاء المهور والتفخر في التبذير في الاعراس يرهق كاهل العريس ويفقده فرحة الزواج الحلال بسبب الديون».
واتفق حاتم مع إبراهيم في ذلك، فيما أشار حسن إلى العادات التي يتمنى زوالها: «العنصريه بجميع انواعها، العرقية، الدينية، والمذهبية، والمناطقية».
وأضافت نوارة إليها «العصبية القبلية، رفع شأن البهائم والتقليل من قدر البشر وخصوصاً الابل، والعنصرية، والتبذير». فيما أشار المغرد «قبعة القش» إلى أن «اللي يزوجو بناتهم بس لـ ابن عمها، او يرفضو شخص من برا عائلتهم أنت تبي تستر بنتك».
وأوضح أبو فهد «منع البنت من الزواج من خارج العائلة، فرض قيود على البنت ومراقبه جوالاتها والتدخل في شوونها، عدم حضور زواج البنت».
وكان الإعلام السعودي شن حملة لمحاربة ظاهرة «الهياط الاجتماعي» في المجتمع السعودي، بسبب تناقلها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ما جعل بعض فئات المجتمع يطالبون بالحد من الإسراف ومعاقبة المبالغين، لأنه ناتج عن سلوك أفراد دفعهم حب الشهرة إلى ذلك.
فيما رأى مختصون في علم الاجتماع في السعودية أن انتشار الظاهرة تجسد ضريبة التقنية وهيمنة وسائل التواصل الاجتماعي، وفقدان الخصوصية الثقافية والقيمية في ظل زحف «العولمة» الجارف.
وكان أستاذ علم الاجتماع في جامعة الملك سعود، الدكتور عبد السلام الوائل أشار إلى الكتاب الشهير لعالم الاجتماع الفرنسي جي ديبور، تحت عنوان «مجتمع الفرجة.. الإنسان المعاصر في مجتمع الاستعراض»، الذي يوضح أن العالم الذي تتحول فيه كل حياة إنسانية إلى مظهر، هو في حده الأدنى مقاطع في وسائل التواصل الاجتماعي «سناب شات» لعائلة في مطعم تصور الأطباق، وهو في حده الأعلى مقاطع لـ«الهياط».
من جهة أخرى، كشفت وكالة الأحوال المدنية السعودية عن تلقيها طلبات من مواطنين يرغبون في حذف أو استبدال أسماء قبائلهم من بطاقات الهوية الوطنية عند التجديد، بهدف محاربة التعصبات القبلية وانهاء العنصرية. وأثار الخبر حينها موجة من التعليقات في موقع التواصل الاجتماعي «تويتر»، تحت وسم (هاشتاغ): «#حذف_القبيلة_من_الهوية».
وكان عضو مجلس الشورى الدكتور زهير الحارثي، اقترح سن مشروع «تجريم الطائفية والعنصرية والقبائلية والمناطقية» تحت قبة مجلس الشورى، لكن المجلس لم يأخذ به، وأيضاً لم يأخذ باقتراح مشابه كان تقدم به مواطن وعضوان في المجلس قبل الحارثي.
وكشف الحارثي رصده أثناء عمله السابق في «هيئة حقوق الإنسان» ممارسات عنصرية في مختلف مناطق المملكة، ما دعاه إلى أن يتبنى الفكرة قبل تعيينه عضواً في المجلس.
وكشف عضو مجلس الشورى محمد رضا نصرالله، الذي قاد «حملة الشوريين»، عن أنه تم تشكيل لجنة داخل وزارة الداخلية لدرس تنامي ظاهرة «التمييز العنصري» بين أفراد المجتمع، مضيفاً: «تم تشكيل لجنة مبدئية في المجلس مكونة من ستة أعضاء، بينهم رجل دين وقانوني لوضع تصور شامل لقانون يماثل ما يعمل به في دول الجوار أو الدول المتقدمة»، مشيراً إلى أنهم بصفتهم أعضاء، لم يكونوا يعلمون بمشروع العضوين سعد مارق أو عبدالعزيز العطيشان، بـ«تجريم الطائفية والقبائلية»، حين أحيل إلى «لجنة الشؤون الإسلامية والقضائية» في المجلس، مؤكداً أن المشروعين سحبا من اللجنة، وسيتم درسه وتقديمه من طريق لجنة خاصة بعد طلب ذلك من رئاسة المجلس، باعتبار المشروع «حقوقياً».
وما تزال هناك أسر سعودية تحد من خيارات الزواج، وتفضل المتوارث، فيما ذكرت أستاذة الدراسات الاجتماعية في جامعة الملك سعود الدكتور سلوى الخطيب أنه «مع انتشار التعليم بين الجنسين، وعمل المرأة واستقلالها المادي، لم تعد الفتاة تقبل بأن تتزوّج فقط من أجل الزواج، بل أصبحت تهتم باختيار شريك الحياة الذي يحترمها ويقدّرها ويساعدها على تحقيق ذاتها، وكذلك الحال مع الرجل الذي أصبح يحرص على اختيار الإنسانة التي يقتنع بشخصيتها، وثقافتها، ويرتاح لها نفسياً».
في الوقت نفسه، ترى الخطيب أن الزواج ما يزال يُنظر إليه كارتباط بين عائلتين، ما يجعل الأهل يلعبون دوراً في اختيار شريك الحياة.
وترفض بعض الفتيات السعوديات الزواج التقليدي، ويفضلن اللجوء إلى البحث عن شريك حياتهن، وخصوصاً مع انتشار العنوسه التي وصلت إلى اكثر من 1.5 مليون عانس، وهي مرشحة أن تصل إلى 4 ملايين، في ظل وجود عادات وتقاليد تفرض عليها الزواج من أقاربها، وتندرج هذه العادات ضمن مسمى «العصبية العائلية أو القبلية»، التي يرى البعض أنها تهدد المجتمع السعودي.
يُذكر أن مغردات تفاعلن مع وسم أطلق خلال الفترة الماضية على «تويتر» طالبن فيه إسقاط ولاية الرجل على المرأة، والمساواة في الحقوق بين الرجل والمرأة عند استخراج معاملاتها من الإدارات الحكومية، أو المؤسسات الأهلية، واتخاذ قراراتها الشخصية بنفسها، مثل التعليم واستخراج الهوية والسفر والولاية على الأطفال وركوب سيارة الإسعاف، وإجراء العمليات وغيرها.
من جهته، نفى المحامي سعد الزهراني في تغريداته أن تكون الولاية التي فرضتها السلطة على المرأة مستندها الشرعي محل إجماع. وقال إن «الرأس يشيب إثر القضايا التي تتعلق بتعسف الولي، نتيجة الولاية المطلقة التي يتم في كثير منها حبس المرأة خلف الأبواب»، مشدداً على معالجة مشكلات العضل والعنف والتسلط والتحكم والحرمان من الميراث التي تقع على المرأة.
فيما طالب استشاري طب نفسي بإسقاط «الولاية الظالمة والعودة إلى الولاية بمفهوم المسؤولية المحمدية، التي يحمي فيها الرجل المرأة ولا يحيا مهيناً أو مستغلاً لها».
الحياة السعودية-