البطل العريف جبران جابر عواجي الذي جسد البطولة الحقيقية مقبلا غير مدبر؛ يستحق كل التقدير المعنوي والمادي الذي حصل عليه من الجميع، وغني عن القول أن هذا البطل وزملاءه محل تقدير من قيادتهم ومواطنيهم في كل الجبهات.. لكن الذي واصل غيابه عن المشهد البطولي الوطني هم أولئك الذين يحتفون بشاعر المليون ولاعب الكرة ومزاين الإبل.. وأولئك الذين يسمون أبناءهم بأسماء شخصيات خارج حدودهم ويقيمون الولائم احتفاء ببطولات وهمية أو انتصار لولاءات مشبوهة.. بينما ابنهم العائد من الجبهة نكاد لا نرى أي احتفال بعودته.. حيث تغيب عوائلهم وقبائلهم وقراهم الحاضرة بقوة في احتفالات أقل شأناً.. وهو الأمر الذي يطرح السؤال حول سبب غياب المبادرة من العوائل أو القبائل أو القرى عن الاحتفاء بالأبطال الحقيقيين.. حيث الفضاء الأشرف للتنافس.. وأي فخر للقبيلة أو العائلة أو القرية يفوق فخرها بابنها الشهيد على الحدود أو في مواجهة الارهاب؟
مؤلم أن تجتمع القبيلة لجمع عشرات الملايين لعتق رقبة أحد أبنائها من القصاص، في الوقت الذي تتجاهل فيه ديون أبنائها المرابطين على الجبهة، الذين وصل الحال ببعضهم أن أوقفت خدماتهم الحكومية بعد أن تراكمت المطالبات على عاتقهم.. وكم من جندي عينه ساهرة على الحد وقلبه مشغول على أبنائه الذين لم يدفع إيجار شقتهم أو لم يسدد فاتورة كهرباء تضيء وحدتهم.
كلنا نذكر مبادرة سمو وزير الحرس الوطني بالسداد عن منسوبي الحرس المتواجدين في الجبهة.. حيث استطاع سموه بعشرين مليون ريال من حسابه الشخصي سداد ديون العديد من جنود الحرس الوطني هناك.. عشرون مليون ريال هي في بعض الأحيان ليست إلا نصف دية تجند فيها القبيلة كل أبنائها وعلاقاتها لجمعها، بينما المجال متاح لأهالي إقليم أو قبيلة أو عائلة ليبادروا بإحصاء ديون أبنائهم الجنود وحاجاتهم والسداد عنهم.. ولن تمنع الحكومة مبادرة من قبيلة تجاه أبنائها الذين يقدمون أرواحهم دفاعا عن أهلهم، كما لا نستطيع أن ننسل من المسؤولية ونرميها على الحكومة، لأن التحرك الحكومي بمسوغاته النظامية وبمعاملاته وصادراته ووارداته في مثل هذه الحالات ليس بسهولة التحرك الشعبي.. الذي خلافا لمردوده المادي المجزي فإن تأثيره المعنوي سيكون أضعاف أي مبادرة رسمية.
إنه واجبنا والمجال المشرف للمنافسة بين الأهالي لدعم المرابطين المجاهدين.. ولا يزايد أحد أن ابناءنا هناك ليسوا بحاجة.. بل بينهم من هو في حاجة؛ مثلهم مثل كل الموظفين الذي ليس لديهم مصدر دخل إلا الراتب.. ولكنهم يتفوقون علينا جميعا بأنهم مجاهدون يبسطون أرواحهم على الحدود ومعزولين عن أي نشاط إضافي يمكن أن يدعم دخلهم.. وليس أقل من أن نثمن لهم هذه التضحية ونكفيهم غلبة الدين.
عادل الحربي- الرياض السعودية-