مها الشهري- عكاظ السعودية-
وصف سلوك «الهياط» بالخطورة يأتي في هذا السياق بمعنى دلالي مختلف عن المعنى الأصلي للكلمة حسب استخدامه في ما تتطلبه بعض المواقف في شارعنا المحلي، فهو لفظ تعبيري ساخر عن استجابة الرفض التي تثيرها هذه الأنواع من السلوكيات بوصفها تصرفات خارقة، وتشبيهها بالخطورة هنا يصفها بالمعنوية الزائفة كما هو مضمونها الحقيقي الفعلي.
«الهياط» نتاج ثقافي احتضنته البيئة وكرست فكرته في التعاملات الإنسانية دون وعي، وهو يتأثر بالعديد من العوامل ذات الأبعاد النفسية والاجتماعية والاقتصادية على المستوى الفردي والاجتماعي، حيث إن الثقافة ساعدت على نمو السلوكيات المدفوعة بحب الاستعراض وإثارة ما يعجب الناس ويلفت انتباههم، الأمر الذي دعم استمراريته وتقليده وانتشاره، فأصبح الفرد يقدم نفسه لمجتمعه من خلال هذا الإطار، ويصنع شخصيته وأهميته الاجتماعية خارج نفسه من الأشياء التي يمتلكها وتشكل اعتقادات الناس عنه، وليس من خلال أفعاله التي نعتبرها منجزات حقيقية، أي أنها حالة تفسر مدى فقدان الفرد للمعنى والهدف من حياته بالشكل الذي يجعله بحاجة إلى أن يثبت له الآخرون أهميته من خلال التصرفات التي تظهر لهم منه وتعجبهم فقط.
«الأنا» هي الذات المزيفة، والعيش بواسطتها أو الدفاع عنها هو التعامل مع الوهم والدفاع عنه، والسبب الحقيقي وراء كل هذه التصرفات هو المظهر الزائف الذي ينعكس من الأنا العالية عند الفرد، وهو وسيلة لكسب الأنظار والشهرة، ويمكن اعتبار حالة «الهياط» مرحلة متقدمة من السعي وراء المظاهر وصلت إلى مستوى مرضي يتطلب العلاج، فليس من الممكن اختزال الرجولة والبطولة في مظاهر «التفحيط» مثلا، ولا يمكن اختزال فضيلة الكرم والجود في مظاهر نثر الهيل تحت أقدام الضيوف او الغسل بدهن العود والعسل، حتى طغت المظاهر على قيم المناسبات والاحتفالات، فالحالة هنا أفقدت القيمة الحيوية للتجمعات معناها، ووصلت إلى مستوى من التدهور الأخلاقي يمكن تصنيفه كسلوك مخجل ومنحرف عن المسار الصحيح.
ربما تكون العقوبات التي جرى الحديث عنها مؤخرا للتصدي لظاهرة التبذير جيدة، فمحاصرة السلوك السيئ بالمنع والعقوبة يساهم ولو بشكل نسبي في خلق ثقافة جديدة مختلفة، ولكن الجدل الذي يدور في الرأي العام حول رفضها سيساهم في بحث الفرد عن تقديم نفسه للمجتمع بالفعل الجيد، في ظل النظر إلى هذه التصرفات باعتبارها تافهة وسطحية وعديمة الجدوى.