ھارون يحيى- مكة نيوز السعودية-
تتمحور البنية الأساسية للإرھاب، بشكل عام، حول انتشار المعتقدات والأيديولوجيات الخاطئة، ولكن يظل الغضب على الدوام بمثابة الشرارة التي ينطلق من خلالھا ھذا الإرھاب. على سبيل المثال، قد يميل شخص ما إلى اتباع الشيوعية كأيديولوجية، ولكنه يمكن أن يتحول لشخص إرھابي إذا ما وضعنا مسدسا في يده واستثرناه لمھاجمة ما يعرف بـ«الطبقات الحاكمة«.
وھو الشيء نفسه الذي يحدث عندما يتعلق الأمر بالتطرف لدى بعض الإسلاميين، فالكثير من المجتمعات ما زالت متمسكة ببعض المعتقدات المتطرفة التي وجدت في العالم الإسلامي منذ مئات السنين. إنه لمن غير المنطقي ما يقال بأن العنف كان موجودا في المجتمع الإسلامي منذ العام 200 ھـ. ومع ذلك، فالتطرف لم يكن ملموسا بھذه القوة إلا منذ العقود القليلة الماضي، فقد أدى الغزو الأمريكي للعراق - واستشھاد الملايين من المسلمين، وإجبار الناس على ترك منازلھم ،وإطلاق الصواريخ بشكل عشوائي من قبل الطائرات بدون طيار، وعدم الاكتراث لھذه الصور المروعة - إلى تصاعد موجة عارمة من الغضب، وھو ما ترتب عليه إضمار الكراھية العميقة للغرب.
ويبدو أن ھؤلاء ممن يستخدمون في وقتنا الحالي نغمة الإرھاب الراديكالي كذريعة لمعارضة المسلمين قد نسوا أن الكراھية ھي نقطة الانطلاق للإرھاب، وربما لم تؤخذ في الحسبان تلك الأحاديث الخطيرة التي أدلى بھا دونالد ترامب، أحد المتنافسين للحصول على ترشيح الحزب الجمھوري في انتخابات الرئاسة الأمريكية القادمة، ضد المسلمين والتي من شأنھا تأجيج روح الكراھية التي تمھد الطريق للتطرف والعنف. ويبدو أنه – ترامب – غير مدرك »للكارثة« التي يسوق لھا، أثناء إعلانه الحرب على التطرف، والتي تتعلق بإشعال روح »الكراھية« والتي من شأنھا أن تغذي التطرف.
والدليل على أن ھناك خطأ في الأسئلة التي تطرح في ھذه المسألة ھو ما يحدث في طاجيكستان ھذه الأيام، فقد أدھشتنا تلك التقارير الواردة من ھناك خلال الأسبوع الماضي والتي تتحدث عن إجبار 13 ألف شخص على حلق لحيتھم بالقوة وذلك من خلال تلك الحملة التي تناصب »العداء للثقافة الوطنية«، في حين أنه تم إجبار 2000 امرأة مسلمة على خلع الحجاب كخطوة أولية لمنع ارتداء الحجاب، ھذا بجانب القرار الذي اتخذه البرلمان بحظر إعطاء أسماء عربية للأطفال.
في الواقع، فإن ھذه التطورات ليست بالجديدة، فخلال العام الماضي تم إغلاق أكثر من 160 متجرا من تلك التي تبيع الزي الإسلامي التقليدي في إطار »الكفاح ضد العناصر الخارجية«.
واحد من الأسباب التي أدت لانتشار ھذه الحالة من الذعر في البلاد ھي التصريحات التي أدلى بھا أحد القيادات في الشرطة قائلا »إننا عائدون لتطبيق الشريعة في طاجيكستان« وذلك خلال أحد مقاطع الفيديو الذي بثه ما يعرف بتنظيم الدولة. يجب ألا ننسى أن طاجيكستان تمتلك حدودا مشتركة مع أفغانستان بطول 1344 كيلومترا والتي يدخل في نطاقھا الكثير من المناطق التي تقع تحت سيطرة طالبان، وھو ما يعني ضمنيا أن البلاد تتمركز في إحدى المناطق التي يسھل تجذر الإرھاب الراديكالي فيھا.
لا يدرك النظام في طاجيكستان خطورة ما يفعله بإلقاء اللوم على بعض الأطراف فيما يتعلق بمسألة الإرھاب الراديكالي، أو الأسوأ من ھذا وھو إلقاء اللوم على الإسلام، إلى جانب حدوده المشتركة مع أفغانستان، وأن ھذا كله يجعلھا تنخرط في تلك الأعمال الاستفزازية التي ينشأ عنھا العنف.
سيتصاعد ذلك الغضب العارم تجاه النظام الطاجيكي، وستصبح عقلية الإرھاب الراديكالي مبررة لدى بعض الأشخاص.
والحقيقة أن أسلوب التعبير عن الغضب لدى بعض المسلمين، الناجم عن القھر والقيود المفروضة، ھو بمثابة الشرارة التي يبحث عنھا الكثيرون للإقدام على بعض الأشياء غير المرغوب فيھا، لن تحجب التدابير القانونية تلك النتائج الكارثية المترتبة على خروج الغضب عن نطاق السيطرة، لذا فمن الضروري على طاجيكستان ألا تكون في طليعة ھذا الغضب.
الخطأ الأكبر الذي يرتكب أثناء المحاولات المبذولة لمكافحة التطرف، ووضع نھاية لھذه الآفة حول العالم، ھو ارتكاب بعض الأفعال التي أثارت الغضب لدى الكثيرين. تمتلك القيادة السياسية في تلك البلدان جميع وسائل الإعلام المرئية والمسموعة، إلى جانب الانترنت والصحافة.
سيصبح من السھل استئصال شأفة ذلك التفكير المتطرف عن طريق بعض الوسائل مثل المحبة، والتعليم، والتثقيف، وتقديم الأدلة العلمية، وذلك بجانب وجوب تقديم المساعدة اللازمة أثناء عملية البحث عن الأشخاص القادرين على فعل ھذا الشيء. لن تصب استثارة المزيد من الغضب إلا في مصلحة الجماعات المتطرفة مثل تنظيم الدولة، والتي ترغب في تجنيد المزيد من الأشخاص للانضمام إليھا، وذلك بجانب المناخ الملائم الذي يوفره الغضب لانتشار تفكيرھم المتطرف، ومن ثم تصبح الدول أكثر إلماما بويلات الإرھاب لا قدر .