مشاري العفالق- اليوم السعودية-
حينما تتدخل جھات خبيثة لإثارة الفتنة في مجتمع ما، لا يمكن الرھان إلا على شيء واحد ،ھو مدى وعي المجتمع وتحكيمه للعقل ومراجعته لدروس الماضي والدول المجاورة، واستذكاره التاريخ الطويل المضيء الذي جمع أبناء ھذا المجتمع في الكتاتيب والحياة الاجتماعية اليومية، ثم في المدارس والأسواق والمجتمع الحديث.
ما حدث في الأحساء لم يكن - ببساطة- مجرد حادثة إرھابية نفذھا مراھقون أساءوا فھم الدين وانتھكوا حقوق الجوار ولوثوا سمعة الوطن، مع صحة ھذا التفسير، إلا أن ھذه الحادثة البشعة حملت معھا أيضاً دروساً ھامةً لا بد وأن تدونھا ذاكرة المواطن؛ أولھا: أن أمن المواطن لا يتجزأ عن أمن بلده مھما حاول مثيرو الفتنة اللعب على العواطف والمشاعر الدينية أو السياسية.
أما الدرس الآخر فھو، أنه لا يوجد دين سماوي أو مذھب عقدي أو فكري إلا ويمكن إعادة تقديمه بصورة مشوھة ليصبح عدائياً ومحركاً للكراھية، بدءًا بالديانة المسيحية التي قدُّمت لمئات من السنين على أنھا من السماحة بأن تستحث المصفوع على تقديم الخد الآخر لصافعه، ومع ھذا تم إعادة توظيف بعض التفاصيل خارج سياقھا؛ لاستثارة عواطف الدھماء ؛لشن حروب صليبية بشعة ضد المسلمين.
الإسلام جاء نبيه رحمةً للعالمين وبرسالة سماوية سمحة، لا تُقر الإكراه في الدين، ولا سوء الخُلق مع الجار وإن لم يكن مسلماً، ولا تبرر الاعتداء على الغير ولا الانتحار أو قتل النفس التي حرم إلا بالحق، وبالرغم من ھذا الإطار العام الذي لا يحتمل في داخله تفاصيل على شاكلة الغدر والنفاق والقتل والانتحار والكراھية إلا أن خليطاً قذراً مارسه بعض المسيسين أدى لتشويه الدين.
وللإنصاف، فإن العاقل حينما يتابع السياق الجغرافي والتاريخي والسياسي الذي يتوفر للجماعات القتالية المتطرفة باسم الدين، مثل: القاعدة أو داعش أو الحوثيين وحزب ( )، يستحيل بالطبع تصديق أن كبار ھذه التنظيمات الراديكالية والبارجماتية أنتجتھا قراءة دينية، أو أن كبار تلك الفئات -التي ندعو لھا بالھداية- اجتھدوا ببراءة ليصبحوا آلة قتل وخيانة وتدمير لمقدرات الأمة، ودون أن تلقى رادعا من العالم.
ومع ھذا فإن المعضلة من وجھة نظري ليست في القيادات التي تحملھا مصالح سياسية أو عمالات استخباراتية، وإنما في من يسكن بيننا ويعيش معززاً مكرماً في وطنه ثم يمارس تعليب بعض المفاھيم الدينية وتمريرھا بخبث، لتبرر السلوك الإرھابي في المدارس والمساجد كما يحدث تقليدياً، أو في شبكات التواصل الاجتماعي، أليس في ذلك درس آخر لا بد للجھات الأمنية الانتباه إليه.
من غير المعقول أن يطلق بعض المحسوبين على الإسلام (شيوخا ً) ويتابعھم مئات الآلاف من الشباب البسطاء والمراھقين والأطفال في وسائل التواصل الاجتماعي ليحرضوھم على متابعة حسابات مشبوھة تروج لأفكار جماعات متطرفة وتحرض على الانتحار وقتل رجال الأمن أو تستدعي تفاصيل فقھية أو تاريخية لتُوظف في غير سياقھا لتبرر لھم الإقدام على مثل ھذه الجرائم.
شيء يدعو للقلق من وجود أسماء تُمنح الحظوة المجتمعية أو الإعلامية لممارسة الفتيا والوعظ، ثم تستدل بأحاديث ضعيفة أو مجزوءة! في سياقات تتعارض كلياً مع النصوص الصريحة والقطعية والتي تحث على مكارم الأخلاق وأدبيات الإسلام في التعامل مع المخالفين والمخطئين، وحتى من أعلن الكفر، في سياق رباني لم يتغير مروراً بجميع الأديان السماوية التي لم تحرض يوماً على الكراھية.
نعم، ھناك أطراف سياسية لديھا مصالح في عدم استقرار المملكة، وتوجد شواھد كثيرة على أن من يدير مثل ھذه الجماعات الإرھابية عملاء يتقاضون ثمن تعريض دولھم وأمن المواطنين للدمار، إلا أن المشھد الداخلي يحتاج إلى استتباب مستغلي الدين لتجنيد عامة الناس والبسطاء لتلك الجماعات المتطرفة بتأييدھم المباشر أو غير المباشر لفكرھا الضال.