محمد بن سعود الجذلاني- الرياض السعودية-
لم يأت بجديد ذلك التفجير الإرهابي الذي استهدف أحد مساجد الأحساء مؤخراً، فهو ذات العمل الدنيء الذي تكرر بنفس الطريقة وعلى يد ذات العدو المتربص.
وفي كل مرة يستهدف الإرهاب وطننا يبوء بأعظم خيبة أمل وهو يرى الإجرام والإفساد والترويع لا يزيد الناس إلا حباً لوطنهم، وإدراكاً لحجم الكيد والغدر والعداء الذي يتربص بهم، فيزدادون – بفضل الله – تلاحماً والتفافاً ووعياً.
اعلموا جيداً أنه لا طريق إلى استدامة الأمن، وحفظ الاستقرار، وإعلاء كلمة الشرع إلا بالسمع والطاعة لمن ولّاه الله أمركم، وإرجاع الأمر إلى أهله من الحكام فيما ولاهم الله من أمر الحكم، والعلماء فيما ائتمنهم الله عليه من أمر بيان الشرع
كم هو مؤلم ما تخلفه الأعمال الإرهابية من خسائر في أرواح بريئة، ودماء زكية، وأنفس معصومة؛ إلا أنها – بفضل الله – أسفرت عن إيقاظ الحسّ الأمني، والانتماء الوطني، والوعي الشرعي، لدى شرائح المجتمع وأبناء الوطن.
إلا أن السؤال الذي تحمله لنا هذه الأفعال الإجرامية القذرة، والذي يجب أن نقف أمامه طويلاً، ونبحث عن إجابته بكل تجرد ووعي وإدراك هو: لماذا المملكة العربية السعودية، هي الهدف لكل هذا الحجم من الإرهاب، بشتى صوره وأساليبه (التهديد العسكري على الحدود - والإرهاب الداخلي في عمليات التفجير والاعتداء على رجال الأمن والمدنيين - والكم الهائل من محاولات تهريب المخدرات – والأعمال المنظمة لبث روح الفرقة بين الناس ونشر الشائعات، ومحاولة إسقاط الرموز السياسية والدينية داخلياً - والحملات الإعلامية المحمومة المسمومة التي لم تنقطع يوماً- واستغلال الغطاء الحقوقي لبعض المنظمات التي تدعي الدفاع عن حقوق الإنسان للتدخل في شؤون المملكة الداخلية والتعدي على سيادتها، والنيل من قضائها.. الخ ذلك من أصناف المكر والكيد الذي لا يهدأ)؟!
ما هي الجريمة التي ارتكبتها المملكة لتستحق هذا الحجم من العدوان والمكر والسعي لزعزعة أمنها، وتمزيق وحدتها؟!
من هي الأيدي الخفية التي تسعى ليل نهار لاستقطاب شباب المملكة وتغييب وعيهم وتجنيدهم لأغراضها الخبيثة وإفراغهم من عقولهم وإنسانيتهم ودينهم وبشريتهم ليصبحوا أداة قتل عمياء لا تسمع ولا تعي ولا تفكر ولا تحس؟!.
من الذي أقنع ذاك الشاب الذي تجرد من دينه وعقله ووطنيته لينعق بعبارات التهديد ويعلن مشاعر الكراهية والبغضاء، لا ضد العدو التاريخي المحتل إسرائيل، ولا ضد العدو الصفوي المعلن بمحادة الإسلام وشتم صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم والتحالف مع كل عدو للمسلمين لتخريب ديارهم؛ بل: ضد وطنه ودولته المملكة العربية السعودية، مهبط الوحي، وحاملة لواء الإسلام النقي الصافي، والمضطلعة بخدمة الحرمين الشريفين وزوارهما؟!.
إن الحقيقة التي لا ينكرها إلا جاحد، ولا تخفى إلا عن أعمى معاند، هي أن المملكة العربية السعودية هي رأس حربة العالم الإسلامي، وهي بوابة الإسلام وحاملة لوائه، فلا يمكن النيل من الإسلام إلا عبر هذه البوابة، ولا تمزيق للمسلمين إلا بالنيل من هذه الدولة والبدء بها أولاً.
المملكة ومنذ نشأتها في هذه الدولة الفتية، أصبحت غصة في حلوق أعداء الإسلام والمسلمين، وسداً منيعاً دون شريعة الإسلام وعقيدة أهل السنة والجماعة. وهي الأخ الشقيق والسند المتين لكل مسلم يتوجه إليها خمس مرات – على الأقل - في اليوم والليلة.
أعلنت منذ قيامها عن تحكيم الشريعة. وتمسكت بالقرآن والسنة مصدراً لكل أنظمتها وقضائها وفتواها. ومدت يدها لكل العالم بالعطاء والخير والسلام. وفتحت أبواب الحرمين الشريفين لكل مسلم على وجه الأرض، ضمنت له الأمن، وأمّنت له الحياة الكريمة، والمعاملة الإسلامية الأخوية، حتى يؤدي مناسك الحج والعمرة والزيارة على أفضل الوجوه، ويعود لوطنه آمناً معافى مكرّما.
المملكة العربية السعودية، الدولة الوحيدة التي لم تبدّل ولم تغيّر منذ نشأتها، لا في دينها وعقيدتها الإسلامية النقية، ولا في سياستها الخارجية الملتزمة بالسلم والسلام، ولا في مبادئها وأخلاقها التي طالما تنكّر لها بعض الأشقاء، وتغيّر عليها بعض الأصدقاء، فلم يزدها ذلك إلا تسامياً وعلواً وقناعة بسلامة نهجها وأصالة مبادئها.
إننا لا ننتظر من العدو أن ينقلب صديقا، ولا من المتربص أن يصبح ناصحاً ودودا، فلا يجدي في النفوس المريضة، والقلوب المنطوية على البغضاء والحقد الدفين إلا سيف الحزم وروح العزم.
لكني أصرخ في كل مواطن ينتمي لهذه الدولة المباركة: استيقظوا من غفلتكم، وارتقوا بعقولكم إلى حجم المخاطر التي تحيط بكم، واعلموا أننا إذا قلنا: الوطن مستهدف، فإن ذلك يعني: أنت مستهدف، دينك مستهدف، أمنك مستهدف، مستقبل أبنائك مستهدف، تاريخ آبائك مستهدف.
اعلموا جيداً أنه لا طريق إلى استدامة الأمن، وحفظ الاستقرار، وإعلاء كلمة الشرع إلا بالسمع والطاعة لمن ولّاه الله أمركم، وإرجاع الأمر إلى أهله من الحكام فيما ولاهم الله من أمر الحكم، والعلماء فيما ائتمنهم الله عليه من أمر بيان الشرع.
أما أن نتيح الفرصة لكل ذي هوى تافه أن ينازع الأمر أهله، فيتدخل في قرارات الحكم والدولة، أو يتطفل على الفتوى ويفتري على الشرع؛ فإن ذلك من أعظم ما يقوّض أمننا، ويهدد وحدتنا، ويمنح أعداءنا الفرصة تلو الفرصة للنيل منا.
أسأل الله أن يحفظ هذا البلد آمناً مطمئناً موئلاً لكل خير وسلم وسلام.
والحمد لله أولاً وآخرا.
* محام وقاض سابق في ديوان المظالم