غسان بادكوك-
كنت أعتزم التعليق على الحادث الإرهابي الأثيم الذي دارت فصوله في المنطقة الشرقية مؤخرا، ولكن سبقني العديد من زملائي كتاب «عكاظ» اليوميين بمقالات رائعة، لا يمكن لكاتب (أسبوعي) مثلي أن يجاريهم في سرعة تناولها بالتعليق والتحليل، لذلك سوف أتوقّف مليا أمام ملمح إنساني عميق، دار على هامش الحادث، بعد أن استحوذ ذلك الموقف على مشاعري، ولامس أعماق قلبي، كما الكثير ممن شاهدوه في نشرات الأخبار قبل أيام، ذلك المشهد الذي جاء عفويا وبدون تكلّف، هو تلبية سمو ولي العهد الأمير محمد بن نايف لمطلب أحد الشباب من مصابي التفجير الغادر في مسجد الرضا بالأحساء، حيث لم يتردد الأمير في الاستجابة لرغبة ذلك الشاب بالتقاط صورة (سيلفي) مع سموه الكريم.
ورغم رمزية الصورة، فإنها حتما تعني الكثير للذاكرة الجمعية السعودية، وتحديدا لذلك الشاب المصاب الذي لا أشك بأنه سيذكر دوما بالكثير من الاعتزاز موافقة الأمير على تحقيق مطلبه بكل أريحية ورحابة صدر، وأثق بأن الشاب سيحرص على الاحتفاظ بتلك الصورة ليعرضها على أفراد أسرته وأصدقائه، وربما على أبنائه مستقبلا، باعتبارها شاهدا يجسّد القيم الإنسانية التي تتحلى بها قيادتنا الرشيدة، والتي تعكس فعلا لا قولا، قربها من المواطنين.
والأكيد هو أن استجابة سمو ولي العهد، انطلقت من حِس إنسان نبيل، ولم تكن مبادرة علاقات عامة مسبقة التخطيط، ولا استعراضا أمام عدسات الإعلام، بقدر ما كانت ردة فعل تلقائية من مسؤول قيادي محبوب شعبيا، سبق له وأن تعرض هو شخصيا لمحاولة إرهابية دنيئة، وبذات الأسلوب الخسيس، استهدفته في مجلسه قبل سنوات وهو يؤدي واجبه الوطني، ولكن شاءت إرادة الله أن تنجيه من ذلك الغدر الأسود، ربما لمِا استقر في علم المولى عز وجل، بأن الأمير سيتبوّأ يوما ما هذا المنصب القيادي في بلادنا الغالية، ويستمر في تقويض الفكر الضال، وتتويج جهوده الاستثنائية في مكافحة التطرف الخطير والطائفية البغيضة، الذين ما فتئا يحاولان بث الفرقة في نسيجنا الوطني المتماسك.
أيضا فإن ردة الفعل العفوية لسمو ولي العهد، لم تكن جزءا من مهمة رسمية تمليها الاعتبارات المهنية، أو المسؤوليات الجسام التي يضطلع بها سموه الكريم، وفي مقدمتها الحفاظ على أمننا الداخلي من المحاولات الخسيسة لتعكير استقرارنا من قبل طغمة منحرفة العقيدة ومشوّهة التفكير، ولعل التفسير السابق يوضح عدم اقتصار زيارة الأمير إلى محافظة الأحساء على تعزية ذوي شهداء التفجير، والاطمئنان على المصابين فقط، بل تجاوز ذلك إلى الحرص على أن يشملهم وذويهم بأخلاق البيت السعودي، الذي يوقِّر فيه صغيره الكبار، ويعطف فيه كبيره على الصغار والمحتاجين.
ولو أردنا التعمّق قليلا في المؤشرات المتتالية والمؤكدة للبعد الإنساني في تعاملات الأسرة المالكة الكريمة، ليس فقط مع المواطنين، بل مع الوافدين بمختلف جنسياتهم، لوجدنا أن ما فعله سمو ولي العهد مع ذلك الشاب، هو مجرد غيض من فيض كرم أخلاق والده الكريم الأمير نايف بن عبدالعزيز – تغمّده الله بواسع رحمته – الذي استمدها وجميع إخوته الكرام من الملك المؤسّس عبدالعزيز بن عبدالرحمن – طيّب الله ثراه – ويتبناها اليوم ويرسّخها ويرفع لواءها في مجتمعنا، خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، أطال الله في عمره ومتّعه بموفور الصحة، وجزاه عنا كل خير.
ختاما، فإن موقف سمو ولي العهد لا بد أن يذكرنا بأمر مهم هو العلاقة الفريدة التي تربط بين الدولة والمواطن، حيث تلتزم الدولة بتطبيق شرع الله، وتعزيز الوحدة الوطنية، وتحقيق العدالة بين أفراد المجتمع، ونبذ الفرقة، ومحاربة الإرهاب، في حين يؤدي المواطن حق طاعة ولاة الأمر، والدفاع عن وطنه، كما يلتزم بقواعدِ السلوك الديني والاجتماعي، ولعل هذه العلاقة هي ما جعلت الشعب السعودي بكافة ميوله الفكرية وانتماءاته العرقية وعقائده المذهبية ومرجعياته المكانية، يدين بالولاء لولاة أمرنا من الأسرة الحاكمة النبيلة، التي تستمد شرعيتها من عقد اجتماعي فريد، يقوم على أركان أساسية هي تطبيق الشريعة الإسلامية، والانتماء لهذه التراب الغالي، والدفاع عن وحدته وأمنه.
حفظ الله قيادتنا وبلادنا من كل مكروه، وغفر لشهدائنا، وعجّل بشفاء المصابين، وجعل كيد الغادرين في نحورهم، وأسبغ علينا من واسع فضله ورضوانه.