د. طلال بن سليمان الحربي- الرياض السعودية-
بداية ولتوضيح الأمر يجب ان أسجل ان الهيئة شرط اساسي للحياة العامة في المملكة وقمة في الحضارة والرقي، وحين أدافع عنها دائما اقول نعم هنالك سلبيات او بعض الانحرافات والممارسات الخاطئة والتي تلزمنا ان نذكرها حتى يتم تلافيها او معالجتها وتصحيحها، ليس كل خطأ يحتاج الى مقالة فأبواب الهيئة مفتوحة وكثيرا من الاحيان نرسل لها ناصحين ونجد كل تجاوب وتفاعل.
في بعض الاحيان الامر ليس مجرد ممارسات فردية وان كانت في ظاهرها كذلك، هذه الممارسات تستغل للنيل من الهيئة ودورها الاساسي في المجتمع السعودي، لان الفكر اساس العمل، والاسلوب واجهته والغاية النبيلة هي المنشودة، اما حين تبدأ الممارسات بالتأثير على منهاج حياتنا بشكل سلبي فان المعالجة يجب ان تتم بشكل سريع وفوري ومن اعلى المستويات خاصة وان التجاوب وإن كان نظريا لا يعطي النتائج المأمولة، فكلنا يعلم ان دور الهيئة رقابي تنظيمي، في بعض القضايا يجد المجتمع ان اللجوء للهيئة يحل المشكلة اكثر من أي جهة أخرى، من ناحية اخرى نجد ان بعض الممارسات تكون خاطئة منفرة وغير منضبطة خاصة حين تكون غير مبنية على اسس او ضوابط واقعية ملموسة.
شخصيا سجلت ملاحظة متعلقة في موضوع تدخل رجال الهيئة في بعض المواقف دون اي سبب مقنع او مقدمات ملموسة تضطرهم الى التدخل، وعلى سبيل المثال لا الحصر حين يكون رجل وامرأة جالسين في مكان عام او مقهى او مطعم داخل مول، ويتدخل رجال الهيئة ليسألوا الرجل من هذه المرأة التي معك وما علاقتك بها وماذا يثبت هذه العلاقة؟
رجال الهيئة لم يسجلوا ملاحظات تستوجب هذا التدخل غير المنطقي، مع انه من باب اولى ان يفرحوا ان هذا المول او المكان ملتزم ولا يوجد شيء ظاهر ملفت يخالف الشرع والنظام، لكن ان تبحث عن الخطا ليكون هو الاساس فهذا امر غير مقبول منطقيا وشرعيا ولا حتى على مستوى عاداتنا وتقاليدنا.
جلوسي مع زوجتي او بنتي او اختي في مكان عام بشكل طبيعي وجميل دون اية شبهة وفجأة تجد من يقف فوق رأسك ويسألك من هذه التي معك؟
ان قلت زوجتي فأين اثباتك؟
ولنفرض انني نسيت الاثبات وحينها ندخل في متاهة ومشكلة، حتى لو فرضنا مجرد افتراض ان الجالسين هما زملاء او اقارب لا تربطهم علاقة مكتوبة في ورقة او اقامة او وثيقة زواج، وما دام هذا الجلوس لم يخدش الحياء العام ولم يخالف نظاما، ولم يثر الشبهات فإن التدخل في خصوصياتهم امر غير مقبول ولا معقول، الانتقائية على شكل اخذ عينات، وبعض الاحيان تكون المشكلة ليست ان الرجل والمرأة لا تربطهما علاقة ورقية شرعية بل تكون ردة فعلهما على تدخل رجال الهيئة، وانهما منزعجان انهما من دون الجالسين تم اختيارهما وسؤالهما لماذا تسألنا ماذا يوجد فينا يثير الشبهات؟
ومن هنا تبدأ المشكلة وتتفاقم وتتسع.
على سبيل الاستعارة الهامشية فان هذه الجزئية في ممارسات رجالات الهيئة حفظهم الله اصبحت تذكر على انها من اهم الاسباب التي تؤدي الى تراجع الملف السياحي في المملكة، وهذا امر مثبت بالارقام وليس مجرد تكهنات، نحن مقبلون على عصر اقتصادي مفتوح سيرافقه العديد من التغيرات، وإبقاء الحال بالانتقائية امر خطير جدا، شبابنا واقع عليهم ضغط كبير ويسافرون ويجولون العالم كله للهروب من هذا الضغط، علينا ان نعطيهم الثقة وان نقنعهم اننا نحترمهم ونثق فيهم وان واقعهم يحتاج الى عمل منهم للتغيير الى الافضل، لكن سياسة التخوين والتشكيك والانتقائية لن تجدي ولن تنفع.
الامر يحتاج الى رقابة على الرقابة، يحتاج الى توعية، يحتاج الى وقفة لاننا نريد للهيئة ان تبقى وتتطور لتواكب العصر وتكون عاملا مساعدا في تنمية المجتمع وسلامته وطهره، وننتقد اليوم للتصحيح الايجابي ولإيماننا المطلق ان هيئة الامر بالمعروف والنهي عن النكر ضرورة وطنية وانسانية لم ولن نتنازل عنها، لكن العامل البشري في التطبيق هو ما يعطينا الحق في الانتقاد ومعالجة الانحرافات حين تقع.