يوسف بن عبدالعزيز أباالخيل- الرياض السعودية-
هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر جهاز حكومي مثله مثل الأجهزة الحكومية الأخرى، يصيب ويخطئ أحيانا، ويلتزم بنظامه ولائحته ويتجاوزهما أحيانا أخرى، كما قد يتماس مع وظائف ومهمات قد لا تكون مناطة به وفقا لنظامه ولائحته، إلا ارتباطه بشعيرة دينية هي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، جعله بين غالٍ يرى أن انتقاده، أو انتقاد أحد أفراده، تعدّ على هذه الشعيرة، وبالتالي تعد على الدين بمعصوميته، وآخر مال بردة فعله على هذا التعالي من قبل الطرف المغالي إلى المطالبة بإلغاء هذا الجهاز نهائيا.
والوسط العادل بين هذا وذاك أن ينظر إلى جهاز الهيئة على أنه إذ يتولى شعيرة الاحتساب، فإنه ليس الاحتساب ذاته، ومن باب أولى أنه ليس الدين نفسه، مثلما هو الفرق البنيوي الحاسم بين الإسلام والمسلمين، وبين الدين والمتدينين، هذا إذا تجاوزنا عن حقيقة أن أفراد الجهاز يؤدون مهامهم ضمن مسؤوليات جهاز حكومي يخضع لسياسة الدولة وأنظمتها، بعيدا عن ربطه بشعيرة الاحتساب، من حيث هي شعيرة منوطة بالمسلم، من حيث هو مسلم ابتداء. ومن هنا فإن النقد الهادف الرصين الذي يوجه لأفراد الجهاز حين يتجاوزون ما هو محدد لهم في نظام الهيئة ولائحته التنفيذية، إنما يدخل ضمن النقد الموجه لكافة أجهزة الدولة التنفيذية عندما تخل بواجباتها، أو تتجاوز في أدائها. وبالتالي، فإن الناقد ليس تغريبيا، ولا عدوا للإسلام، أو لشعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وليس هو من الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا، كما هي التهم التي تساق من قبل بعض المغالين وقليلي العلم والورع!
إن من أهم ما ينظم العلاقة بين الهيئة والمجتمع، التزام الهيئة: جهازا وأفرادا وهيئات فرعية ومراكز، بالمهمات التي حددها نظامها ولائحتها التنفيذية، دون أن تتجاوزها إلى مهمات ليست منوطة بها.
وإني لأجزم أن معظم، إن لم يكن كل، الاصطدامات والمشكلات التي حدثت وتحدث بين الفينة والأخرى من قبل بعض أفراد الهيئة، إنما هي نتيجة لتجاوز أدوارهم المرسومة لهم نظاميا ولائحيا.
كنت قد كتبت مقالا عن الهيئة قبل ما ينيف على أربع سنوات، اقترحت فيه إطارا لما أطلقت عليه(أنسنة) العلاقة بينها وبين المجتمع، انطلاقا من حصر نوعية (المنكرات) المنوط بالهيئة الاحتساب عليها؛ بحيث تكون معلومة للناس من النظام والشرع، بحيث ينطلق الإطار من حصر مهمة الهيئة في المنكرات التي حددها نظامها ولائحتها التنفيذية من جهة، ومن تلك المنكرات المجمع عليها قطعيا بين المسلمين كافة، إلا أني أرى اليوم أن الاحتساب على ما لم يُحدد في نظامها ولائحتها التنفيذية قد يفتح مجالا لاجتهاد أفراد من الهيئة نحن في غنى عنه، لا سيما وأن المشرع حين أصدر نظامها، وأوكل للرئاسة إصدار لائحتها التنفيذية، كان على علم بالمنكرات التي يجب حماية المجتمع منها، والتي أوكل للهيئة الاحتساب عليها.
ولقد يجوز القول إن الأمر بالمعروف لا يثير في الغالب أية حساسيات كالتي يثيرها النهي عن المنكر، ومن ثم فإن ما قد يثير المشكلات والاصطدامات، عند مباشرة الهيئة لأمور الاحتساب، إنما يكمن في عدم تحديد المنكرات المناط بالهيئة الاحتساب عليها، طالما لم يكن هناك حدود قانونية واضحة لتلك المنكرات. فلقد صدر نظام الهيئة الحالي بموجب قرار مجلس الوزراء رقم (73) وتاريخ : 16 / 3 / 1434 ه، وأحال إلى اللائحة التنفيذية تحديد المنكرات الواجب على الهيئة الاحتساب عليها، كما جاء في المادة السادسة بأن" تتضمن اللائحة التنفيذية لهذا التنظيم بياناً بالواجبات وطرق الأمر بها، وبياناً بالمحرمات والممنوعات وطرق إنكارها"، كما أحال في المادة السابعة منه إلى اللائحة أيضًا وضع" الإجراءات والتدابير والضوابط اللازمة للأمر بالمعروف والنصح والإرشاد والتوجيه بالتزام الواجبات الشرعية، والنهي عن المنكر، والحيلولة دون ارتكاب المحرمات والممنوعات".
هذا من ناحية المنكرات الواجب على الهيئة الاحتساب عليها، أما من ناحية دورها في ضبط مرتكبي المحرمات أو المشتبه بهم، فلقد أحال النظام إلى اللائحة أيضا تحديد المهمات والضوابط اللازمة لذلك، وفقاً للأحكام والإجراءات المنصوص عليها في نظام الإجراءات الجزائية. كما أعطى النظام للهيئة" حق المشاركة في مراقبة الممنوعات المشمولة باختصاصاتها مع الجهات المختصة"، مع ترك مهمة كيفية تنظيم مشاركتها في هذه المراقبة للائحة التنفيذية أيضا.
وهكذا نرى أن تحديد المنكرات الواجب على الهيئة الاحتساب عليها، وكذلك تحديد المهمات والضوابط التي تتصرف بموجبها الهيئة في ضبط مرتكبي المنكرات، وكيفية مشاركتها في مراقبة الممنوعات منوط بما ستحدده اللائحة التنفيذية لنظام الهيئة الذي صدر قبل ثلاث سنوات، ولم تصدر لائحته التنفيذية بعد.
وإن عدم صدور اللائحة التنفيذية حتى الآن ليجعل الهيئة تعمل فيما يمكن أن نطلق عليه" فراغا قانونيا" لا يملأه إلا صدور اللائحة.
وهذا الفراغ سيجعل أفراد الهيئة من الآن وحتى صدورها يواجهون اصطدامات متعددة في مدى وكيفية احتسابهم على منكرات لم تحدد بعد، كما لم تحدد ضوابط وآليات الاحتساب عليها، وضوابط ومهمات ضبط مرتكبي المنكرات.
وإني بهذه المناسبة أدعو إلى سرعة إصدار اللائحة التنفيذية لنظام الهيئة، وإذا صدرت فيجب على الهيئة وعلى كافة فروعها ومراكزها وأفرادها أن يلتزموا بالاحتساب على المنكرات التي تحددها فحسب، وأن يلتزموا أيضا بما تنص عليه آليات ضبط مرتكبي المنكرات وفقا لما تنص عليه الأحكام والإجراءات المنصوص عليها في نظام الإجراءات الجزائية، وهو ما أكدت عليه المادة الثامنة من النظام.
وبدون صدور اللائحة التنفيذية بشكل عاجل، وبدون الالتزام بضوابطها في الاحتساب والضبط، ستستمر المشاكلات والمشادات بين المجتمع والهيئة.
والله من وراء القصد.