حمود أبو طالب- عكاظ السعودية-
عندما قررت إحدى الجامعات الجديدة فتح كلية بمسمى «الشريعة والقانون» أتذكر جيدا الحملة الاحتسابية الكثيفة التي قام بها عدد كبير ممن رأوا في ذلك القرار تعديا على الشريعة بإضافة القانون إليها، وإثما اقترفته الجامعة يجب ردعه وتصحيحه. ولم تقتصر تلك الحملة على محتسبي المنطقة فقط، فقد شاركهم فيها محتسبون من بقية المناطق لتصبح حملة كبرى منظمة تداهم مكتب مدير الجامعة بشكل متكرر، وتزور أمير المنطقة بين وقت وآخر، بعد أن حاولت إقحام مفتي المملكة في القضية بعرض معلومات مغلوطة ومبالغات كاذبة، وافتراضات لا يسعها إلا خيالهم. لكن النتيجة أن الكلية افتتحت بذلك المسمى ومضت الأمور بشكل طبيعي عدا بعض المناوشات البائسة بين وقت وآخر.
«القانون» مصطلح مزعج ومستفز للذين يريدون استمرار السلطة المزاجية الشخصية المطلقة لهم التي تجعلهم فوق المراجعة والمساءلة، إنهم لا يحاربون هذا المصطلح دفاعا عن الشريعة أو حفاظا على العدالة والحق، وإنما لكي لا تتأثر سلطتهم الهائلة وسطوتهم القوية التي تجعل أحكام الله العادلة عجينة رخوة بين أيديهم يشكلونها كما يشاؤون، ولهذا فإنهم لا يتورعون بتلويث مفردة القانون بكل ما يسعفهم به قاموس الخطيئة والمنكر والحرام، ولا يترددون في وصم كل من يتلفظ بها بأبشع الأوصاف وصولا الى إخراجه من الملة لأنه يحارب شريعة الله، وفي هذا السياق تأتي كارثة قاضي الليث الذي أصدر كتابا عنوانه «كليات الحقوق والحكم بغير ما أنزل الله»، وصل فيه إلى تكفير مناهج كليات القانون السعودية والدعوة إلى محاربة كل من يدرسها أو يقتنع بها أو يستخدمها.
هذا القاضي لم يبتدع كارثته من فراغ، وإنما استنادا الى رأي يؤمن به عدد كبير من أمثاله، منهم من يجهر به ومنهم من يتكتم عليه ويدعم المبادرين بإعلانه. وعندما يكون هذا القاضي مسؤولا عن أحكام تتعلق بعباد الله في مختلف القضايا فلنا أن نتصور ماذا يمكن أن يحدث وهو بهذه العقلية، وكم تمنينا ألا يقدم لكتابه شيخ فاضل من العلماء الذين نحترمهم ونقدرهم.