علي القاسمي- الحياة السعودية-
أرجأ مجلس الشورى مناقشة التقرير الخاص بالرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وذلك بغية مزيد من الدراسة، ولعل عنوان «عودة الهيئة» تسيد منصة النقاشات والحوارات في الأيام الفائتة وعصف بالرأي وأحدث الجدل، لاسيما وأن في منعطفات العودة ملامح لعدم مناسبتها للمرحلة.
وكعادتنا فنحن لا نحمل خيارات وسطية أو طرحاً يتناول ملف العودة بشيء من الهدوء والحضور الساخن المنطقي لا الحاد المنفعل، فهناك من يرى أن الحياة ستكون أصعب برفقة هذا الجهاز، فيما أن هناك على الضفة الأخرى من يرى أن الحياة باتت أسهل من دونه، وفي عودة الجهاز بكامل عضلاته وسلطته تراجعاً وانسحاباً للوراء، وإن كانت هذه العضلات عاشت لزمن طويل مسلطة على زوايا بعينها على رغم اتساع مفاهيم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولعل مما يثير الذين لا يرون جدوى من عودة الهيئة هذه الجزئية تحديداً وهي المعيدة لذكريات دور الهيئة المحصور في الاجتهادات الفردية والتصرفات العشوائية والمتكئ على وصاية فكر واحد جعل المجتمع في حالة احتقان ضد ما كان يمارس من قبل هؤلاء الأفراد.
أقرأ في تـأجيل مجلس الشورى لمناقشته تقرير الهيئة فعلاً ذكياً موفقاً، فهذا التأجيل سـ «يريح» بعض الوقت ويهدئ الجو الشعبي العام ويترك أيضاً المجال لمزيد من الرؤى والتحليلات والتصورات وقراءة الصلاحيات والممارسات من زوايا متنوعة ومنابر متعددة، ومن ثم ضم المفيد لخانة الاستفادة ومربع الإعانة في تحديد الموقف من عودة جهاز الهيئة من عدمه، وهذه العودة تقرأ عبر زاويتي السلطة والنفوذ.
التأجيل الذكي يجيء كامتصاص غضب لموجة الانتقادات اللاذعة التي صاحبت فكرة مناقشة مجلس الشورى والوصف الذي يشير للعودة إلى الوراء، ملف الهيئة ملف انتهى على صعيد الاستثمار والاستغلال والتوظيف، ولكل من هذه المصطلحات حكايات وأحاديث وصراعات تبدأ ولن تنتهي، ولعل الصورة السلبية التي رسمت عن هذا الجهاز في وقت ما لن تمحى بسهولة ويسر، والجهاز بحاجة فعلية لاستيعاب دقيق لكامل المشهد ومجمل التغيرات، ولعل ما يهم في الطرح كله ألا يتصادم عمل الهيئة من أنشطة وأفكار جهات وهيئات أخرى، فهذا الوقت ليس وقت صدام ولا ضبابية ولا تداخل في المسؤوليات ومشاريع العمل. عودة الهيئة بمبادرات فكرية ونوايا صادقة وضوابط ورؤية واضحة ومحددات عمل هي عودة منطقية ولو من أجل الإسهام في تحسين الصورة وعلاج ما يمكن علاجه، الهيئة لا بد أن تخرج من خانات الاستفزاز والممارسات القاسية من الفعل والتعدي إلى مفاهيم معتدلة، وإن لم يعن مجلس الشورى جهاز الهيئة على ذلك ويقرأ كامل الملف فلا معنى للنقاش ولا الدراسة ولا العودة التي ستكون من باب المجاملة البحتة وبالذات إن كانت عودة لم تستعرض وتقف على الذكريات والمواقف وجوانب السلب والايجاب، ولعل في تأجيل النقاش مخرجا مؤقتا، ولكن سيكون الحسم بيد المجلس وعلى عتبة «مزيد من الدراسة» المنتظَر دقتها وعمقها وسرعتها أيضاً.