قينان الغامدي- الوطن السعودية-
كم عدد السيارات الخاصة والمستأجرة من شركات التأجير والليموزين التي تجوب شوارع المدن وطرقات القرى يوميا، وليس بداخلها سوى امرأة واحدة والسائق، أليست بالآلاف؟ ثم أليس كل الناس يعلمون ذلك ويرونه بل ويفعلونه عامدين، ابتداء من كبار المسؤولين في الدولة والحكومة ومرورا بأمثالي من الطبقة الوسطى وانتهاء بالمواطن البسيط الفقير الذي لا تجد زوجته أو ابنته بدا من استخدام الليموزين لمشاويرها؟ كلنا يتولى السائقون مشكورين إيصال زوجاتنا وبناتنا إلى أعمالهن وإلى المستشفيات والأسواق وزيارة الأقارب والأصدقاء وغير ذلك، ولم نجد اعتراضا ولا عنتا ولا مشكلة، وطالما أن المرأة محرومة من حق قيادة السيارة بنفسها فلن يستطيع أحد حرمانها من الركوب فيها بمفردها مع سائق، وحتى لو نالت حقها في القيادة فإن من حقها أيضا أن تستخدم سائقا مثلها مثل الرجل تماما!!
هذا كلام بديهي وتعرفونه فلماذا أقوله اليوم؟!
قبل أسبوعين، وعند الساعة الثامنة والنصف مساء خرجت إحدى العاملات في إحدى القنوات التلفزيونية بالرياض من مكتبها، بعد أن استدعت سيارة من شركة تأجير السيارات (أوبر) وما أن ركبت وتحركت السيارة حتى اعترضها "جيمس" وهبط منه اثنان، واتجها نحوها، وحين رأتهما اتصلت فورا برئيسها في العمل مستنجدة، وقبل أن تنهي المكالمة فتح الاثنان بابي السيارة الخلفيين، وخطف أحدهما الجوال، ثم أنهالا عليها ضربا وشتما (يا فاسقة يا كافرة يا عاهرة)، ثم أنزلا السائق وأركباه الجيمس، وقبضا على رئيسها وأركباه، وعادا إليها ليكملا مسيرة الضرب والشتم، وتولى أحدهما قيادة السيارة المستأجرة والآخر بقي في المقعد الخلفي قابضا على الفتاة من شعرها حتى وصلوا إلى مركز الهيئة في حي السليمانية بالرياض!!
يقول التقرير الطبي عن الفتاة (كدمات وجروح سطحية في اليدين والذراعين والكتفين والفخذين والحوض من الجهتين)، يعني كل عضو أدى دوره في الاعتداء من جهته بمهارة وإتقان، المهم وصلت الفتاة مع العضوين إلى البرحة وهناك بقيت من التاسعة وعشرين دقيقة حتى جاء من يقول: غيروا الوجوه يا شيخ!! وفعلا تغيرت الوجوه وغادر الاثنان اللذان قبضا وضربا ولم ترهما بعد ذلك، وحل محلهما عضوا هيئة يحملان على صدريهما بطاقات، وأحدهما تولى قيادة السيارة والآخر ركب إلى جوار الفتاة، وسارا ببطء إلى المركز في حي السليمانية، وبعد وقت جاء رجل هيئة وعاملها أثناء تحقيقه بكل احترام، وكان أبرز سؤال سألها هو: ما هي علاقتك برئيس الهيئة السابق الشيخ عبداللطيف آل الشيخ؟ ويبدو أن من له علاقة به يعتبر مجرما في نظر الهيئة الآن!! ثم طلب منها التوقيع على تعهد بأنها كانت في (خلوة غير شرعية) مع السائق، فرفضت، وقالت أحضروا المحامي!! بعد ذلك حضر ضابط من الشرطة في ذات الليلة، وبدأ بالاعتذار لها وطلب من السجانة أن ترى آثار الضرب، فأبلغته بما يتطابق مع التقرير الطبي الذي أخذته الفتاة بعد مغادرتها السجن من المستشفى، والضابط سألها هل أحضروا لك طبيبا فقالت لا، ولهذا كلّف السجانة، وأنهى تحقيقه بتوثيق القصة كاملة مع الكدمات، وكرر اعتذاره للفتاة!! ليؤكد أن رجال الأمن في بلادنا مستواهم راق ومتحضر!! وفي اليوم التالي جاء ممثل هيئة التحقيق والادعاء ومعه المحضر الذي دونه الضابط، وبعد أن سألها عن أمها وأبيها وهل أنت متزوجة أم لا قال لها: لماذا لا تغطين وجهك، قالت أنا كنت متحجبة أما وجهي فأهلي ربوني هكذا، فقال: ما هو مذهبك؟ قالت: حنبلي، قال: الحنابلة يَرَوْن أن كشف الوجه تبرج، قالت: لا أدري، قال: أنت متبرجة!!!، فأوقفت بعد ذلك يومين، ثم تبنت هيئة التحقيق والادعاء الاتهام نفسه (هيئة الادعاء العام كما يبدو مجرد أداة تتلقى تعليمات من هيئة الأمر بالمعروف، والأدلة تترى في هذا الاستخدام غير الرشيد وغير العادل!!)، وأحيل الملف إلى القضاء، أما رئيس الفتاة في العمل فقد أطلق سراحه بعد يوم، وأخذ ملفه ذات الطريق بتهمة (محاولة تهريب فتاة كانت في خلوة)، وأما السائق فأطلق سراحه بعد يوم أيضا وتهمته (خلوة غير شرعية)!!
الآن أرجو ألا يصبح عضوا الهيئة اللذان قبضا واتهما هما شاهدا الادعاء العام ولا أي عضو من الهيئة عند القاضي، لأن هناك قضايا كثيرة أبرزها قضية الذي حكم عليه بالردة في حفر الباطن - وقد كتبت عنه هنا - كان الشهود هم أعضاء الهيئة الذين تجسسوا واستدرجوا وقبضوا، وهناك أكثر من مئة سجين الآن في عسير بنفس الطريقة، وقد تعجبت من تناقض رئيس هيئة التحقيق والادعاء في عسير الذي قالت صحيفة "مكة"، الأحد (الـ10 من صفر، 1437)، إنها "حصلت على مخاطبات ومعلومات موثقة" نقلا عن رئيس الادعاء"، اتهمت فيها جهات رقابية، أعضاء بـ"الهيئة"، بارتكاب عدد من التجاوزات المخالفة لنظام الإجراءات الجنائية، أبرزها استدراج الأشخاص بالصور الخليعة إلى موقع القبض.
وأضافت "مكة" أن (المخاطبات بين هيئة التحقيق والادعاء العام وهيئة الأمر بالمعروف أظهرت أن الأولى سبق ولاحظت مخالفات الاستدراج والتجاوزات الكبيرة للنظام في طرق القبض منذ ما قبل الـ29 من محرم 1433). فإذا كان الأمر كذلك فكيف تبنت هيئة التحقيق والادعاء التهم، وكيف استشهدت بالأعضاء القابضين بعد التجسس والاستدراج، وكيف يقبل القضاة شهادتهم؟ هناك مغالطات كبيرة واضحة وتناقض غير مبرر، لن يحل لغزها إلا قيادتنا العادلة الحكيمة، كما أرجو أن لا يختفي العضوان المعتديان لأن الفتاة لا بد من أن تأخذ حقها منهما، وسأدع هذا الأمر إلى مقال آخر، الآن سأسال رئيس هيئة الأمر بالمعروف الدكتور عبدالرحمن السند: هل ما فعله عضوا الهيئة بهذه الفتاة اجتهاد فردي أم بتوجيه من معاليكم، أو مدير هيئة الرياض، أم هما محتسبان يستخدمان سيارة الهيئة وإمكاناتها؟ وهل يسمح معاليكم بمثل هذه الممارسات والاعتداء على بنات الناس حتى لو كن في وضع أخلاقي منكر فعلا؟!!
معاليكم قلتم لصحيفة "عكاظ" يوم الجمعة الماضي: الاجتهاد الشخصي في عملنا مرفوض. لكن ليسمح لي مقامكم الكريم أن أقول لكم "المية تكذب الغطاس"!!