علي مطر- خاص راصد الخليج-
شكل منح الرئيس الفرنسي، فرانسوا هولاند، وسام جوقة الشرف الوطني، للأمير محمد بن نايف بن عبد العزيز آل سعود ولي العهد ونائب رئيس الوزراء ووزير الداخلية السعودي، مادة سجال وجدل في الصحف الدولية والعربية، لا سيما في الأوساط والصحف الفرنسية، كون هذا الوسام طالما شكّل مادة جدل في الوسط الإعلامي الفرنسي.
الأمر لا يتوقّف على كون الوسام يعدّ أعلى تكريم رسمي في فرنسا فحسب، بل على الأسباب التي تكمن وراء اختيار الشخصيات، والتي تفنّدها الصحافة المحلية والعالمية سنوياً في إطار سياسي - اقتصادي، جعل عددًا كبيرًا من المختارين والمختارات يرفضونه، مبررين ذلك بفقدانه المصداقية التي قام على أساسها في عهد نابوليون بونابرت والجمهورية الأولى في مايو/أيار 1802.
منح هولاند لولي العهد السعودي الوسام يأتي فيما تعاني سمعة المملكة في المحافل الدولية والأوروبية من خانقة ، نتيجة حربها على اليمن واستخدامها اسلحة محرمة دولياً، فضلاً عن اتهامها بدعم الإرهاب في سوريا والعراق، ونشر تعاليم الوهابية في الدول الأوروبية لا سيما في فرنسا، ناهيك عن ملف حقوق الإنسان الذي يتهمها الغربيون بفقدان الشفافية فيه وعدم احترامه، خاصةً انها قامت بإعدام 47 شخصاً في يوم واحد. هذه الملفات تحدثت عنها صحف وأحزاب فرنسية اعترضت على منح بن نايف هذا الوسام. وقد اعتبره كثيرون بمثابة تشجيع من جانب الحكومة الفرنسية "لمن ينفذون أحكام الإعدام".
صحيفة "جوش دو كومبا" الفرنسية المعارضة، أشارت في هذا المضمار إلى أن غالبية الفرنسيين يشعرون بالعار والسخط على ما فعله الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند بتسليمه وسام جوقة الشرف الرفيع للأمير محمد بن نايف، ولي العهد السعودي ووزير الداخلية.
ولفتت إلى أن تقليد نايف بهذا الوسام لا يصب في مصلحة الأمة الفرنسية، وان هولاند يتصرف ببالغ الحمق، حيث هناك عائلات سعودية تمول الارهاب في اوروبا والشرق الاوسط - على حد وصفها، وان المملكة وكر للتخلف حيث تغيب الحريات.
ورأت الصحيفة أن المملكة ونايف ليسا أحسن من داعش - فالاثنان يمارسان قطع الرؤوس بالسيف، فقد لقي 90 شخصا في المملكة حتفهم قتلا بالسيف عام 2014، و2015 تجاوز العدد 150 شخص وعام 2016 اعدم حتى الان 47 شخص بينهم باقر النمرـ على حد تعبيرها.
كذلك، نشر موقع قناة فرانس 24 النسخة الفرنسية تقريراً بعنوان "هولاند يقلد بخبث الأمير نايف وسام جوقة الشرف"، وبيّن التقرير أن قرار هولاند واجه الكثير من الانتقادات على مواقع التواصل الاجتماعي.
وأظهر أن هولاند، الذي كان في مقابلة مع مجلة "ايل" الفرنسية وصرح بأنه ( مؤيد لحقوق المرأة) حتى النخاع، قد سلم هذا الوسام الرفيع لممثل البلد التي تنتهك فيها حقوق المرأة كل يوم.
وأضاف التقرير أن المملكة السعودية تعد من اكثر الدول التي تنتهك حقوق الانسان اذ يتم اعدام العشرات دون مبررات قانونية.
التقرير اشار الى أن الجدل يرافق دائما مسألة احترام حقوق الإنسان في السعودية، وأن السعودية أعدمت فقط خلال ثلاثة أشهر 70 شخصًا، 47 منهم في يوم واحد، لافتا الى انتقادات منظمة العفو الدولية للسعودية في ما يتعلّق بتنفيذ هذه الأحكام وعدم تمكين الكثير من الضحايا من توكيل محامين.
لقد قام الرئيس الفرنسي بتقليد الامير محمد بن نايف وسام شرف بدل من دعوة المملكة الى الحد من الحروب التي تخوضها ومحاولة تبييض صفتحها في ما يتعلق بحقوق الإنسان ودعم الإرهاب، وهذا ما اثار غضب الفرنسيين، لكن وبحسب بعض الأوسط فإن منح بن نايف هذا الوسام جاء نتيجة طلبه لتعزيز مكانته الدولية والاقليمية والداخلية سيما بعد سيطرة الامير محمد بن سلمان على الحكم وسطوع نجمه في السعودية.
وقد نقلت صحيفة "لو موند"عن بريد السفير الفرنسي في المملكة انه "نهار الأربعاء في الثاني من آذار/مارس 2016، أي قبل يومين من موعد الحفل السنوي في باريس، بيزانسونو بريدا لكفاش يقول فيه: إنه الملك القادم، أعرف أنّ صورة المملكة ليست جيدة في ما يخص التعاطي مع حقوق المرأة والحريات السياسية وسجن المعارضين وإعدام الشعراء والصحافيين، لكنّ الوضع سيتحسّن. علينا أن نرضي "الملك القادم" وأقترح أن يكون تكريمه دون ضجة في الإعلام".
ونشرت صحيفةُ يلزيكو تبادلاً لرسائلَ الكترونيةٍ بين دبلوماسيين فرنسيين قبل الحدثِ الذي اثار جدلاً وبحسبِ الرسائلِ الالكترونيةِ التي اوردتها الصحيفةُ فان تقليدَ الرئيسِ الفرنسي فرنسوا هولاند وسامَ جوقةِ الشرفِ لولي العهدِ السعودي في الرابعِ من اذار بعيداً عن الاعلامِ تم بناءً على طلبٍ منه ولرغبتهِ في تعزيزِ مكانتهِ الدوليةِ.
وقد رأى بعض المحللين أن سبب منح هولاند هذا الوسام للأمير السعودي، يأتي نتيجة عقود استثمار ودفع مبالغ مالية لفرنسا في صفقات اسلحة وغيرها وأوردت بعد التعليقات الفرنسية أن زيارة ولي العهد السعودي المؤخرة لباريس هي امتداد لزيارات سابقة على مستوى الجانبين، لتعزيز الجانب الاقتصادي بين البلدين، خاصةً وأن زيارة ولي العهد السعودي تم فيها مناقشة ملفات اقتصادية خلالها كانت امتداد لعلاقة كبيرة بين البلدين.
تجدر الإشارة إلى هناك أكثر من 80 شركة فرنسية تعمل داخل السعودية في مجالات مختلفة يعمل فيها أكثر من 30 ألف موظف، يشكل المواطنون السعوديون نسبة 35% منهم، لكن بمقارنة حجم الاستثمارات بين البلدين فإن الاستثمار السعودي يشكل 900 مليون يورو فقط، مركزة جمعيها في مجال محدد وهو مجال العقار، وفرنسا ترغب لفتح السوق أكثر لدخل المستثمر السعودي، وهذا قد يشكل سبباً رئيسياً لمنح بن نايف هذا الوسام كتقدير، من أجل فتح صفحات اقتصادية فرنسية سعودية جديدة عبره.
يذكر ان فرنسا باعت السعودية اسلحة بمليارات اليورو، وتنظر اليها على انها عضو مهم في منظومة تبادل المعلومات حول المجموعات الارهابية، فيما تعتبر جهات دولية وإقليمية الرياض بأنها ممولة للإرهاب وداعمة له، وفي أقل الاحتمالات من خلال دعمها لنشر أفكار الوهابية التي تعتبر مصدر أساسي لفكر الإرهابيين، وهذا ما يستخدمه منتقدو قرار هولاند كحجة على منح وسام الشرف لولي العهد السعودي الذي تورطت بلاده في حربها على اليمن مستخدمةً أسلحة تشتريها من فرنسا ذاتها.