جاسر الدخيل- خاص راصد الخليج-
كعادته عند كل قرار بفتح ملف، عمم وزير الاعلام السعودي عادل الطريفي على لائحة من الكتاب الذين يكتبون في الصحف المحلية السعودية الموضوع الذي يجب الكتابة عنه والتركيز عليه للايام التالية المقبلة. لم يكن التعميم طويلا، فلا داعي لذكر المبررات ولا ذكر الدوافع والاهداف، كان عبارة عن سطر ونصف السطر : « الغاء الهبة السعودية للبنان واتهام حزب الله بالمسؤولية مع التركيز على الحزب وانه يشكل خطرا على مستقبل لبنان ووجوده وبعده العربي».
بهذه العبارة المختصرة والموجزة صدر تعميم الطريفي. وهو تعميم ليس الاول من نوعه اذ غالبا ما يصدر عند رغبة المملكة في التصويب والتركيز على قضية سياسية ما، ولعل هذا التعميم يجيب على سؤال قد يداهم القراء عن سر تركيز الصحافة والاعلام السعودي على ملف ما بحيث لا تخلو صحيفة من الكتابة عنه، بل يتسيد المشهد الاعلامي برمته.
وبمعزل عن هذه الآلية، فان الهجوم على حزب الله اللبناني ليس الاول من نوعه، بل هو لم يتوقف منذ انخراط الحزب في الحرب السورية، وان كان الحزب لم يسلم من تهجمات عليه من الاطراف اللبنانية الموالية للمملكة. ومخطئ من يظن ان الهجوم على الحزب كان بسبب الازمة السورية وان كان ذلك قد صعد من حدة استهدافه. فان أحداث ما يعرف بالسابع من أيار والتي وقعت عام 2008 كانت قبل انطلاق الازمة السورية بثلاثة اعوام، حيث صدر قرار من الحكومة اللبنانية التي كان يغيب عنها الوزراء الشيعة آنذلك، استهدف سلاح الاتصالات المتعلق «بحزب الله» ( المقصود من سلاح الاتصالات هو عبارة عن شبكة هاتفية داخلية على غرار الشبكات المتواجدة في الشركات تربط كل مراكز الحزب في لبنان وقد كان لهذه الشبكة دورا كبيرا في بقاء التواصل بين اجهزة الحزب خلال الحرب الاسرائيلية على لبنان فيما عرف باسم حرب تموز 2006). فالمهم هنا ان هذا القرار الذي كان يراد منه استهداف اتصالات الحزب الداخلية ومحاولة تفكيك شبكته، اعتبرها الحزب بمثابة استهداف لأمن «المقاومة» وفاعلية مراكز القيادة والسيطرة، فكانت احداث السابع من ايار حيث شن الحزب وحلفاؤه في لبنان هجوما «مباغتا وسريعا» على جميع مراكز القوى الموالية للمملكة العربية السعودية وعلى رأسهم تيار المستقبل، وهي مراكز في معظمها كانت تعمل تحت غطاء شركات امنية خاصة أسست لغاية الانقضاض على الحزب وصرف عليها ملايين الدولارات، وبأقل من بضعة ساعات سقطت كل هذه المراكز وأدت هذه المعركة الصغيرة الى حصول ما عرف بعدها بأتفاق الدوحة الذي انتج انتخابات نيابية وانتخاب ميشال سليمان ( قائد الجيش انذاك) رئيسا للجمهورية.
العبرة في ذكر هذه السردية هو ان اخطر قرار اتخذته المملكة واستهدف حزب الله اللبناني لم يكن قرارا ،بحسب توقيته، يتعلق بالازمة السورية، اذ انها، كما ذكرت، لم تكن قد بدأت بالفعل بل كان القرار قبل ثلاثة سنوات من انطلاقتها.
ان المطلع على الاوضاع الداخلية والخارجية للمملكة يمكن ان يخرج بمحصلة تعتبر بمجموعها الدوافع وراء قرار المملكة بالغاء الهبة السعودية للجيش والقوى الامنية اللبنانية ويمكن تلخيص الدوافع بالتالي :
الازمة المالية التي تمر بها المملكة بسبب حرب اليمن التي ترافقت مع هبوط اسعار النفط العالمي.
التطلفة العالية لموازنة دعم الجماعات المسلحة التي تعمل في سوريا لاسقاط نظام بشار الاسد والتي قدرتها بعض الاوساط بحوالي مليار دولار شهريا.
تعثر مفاوضات العمولة التي كان من المقرر ان يتقاضاها ولي ولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان مع الشركة الوسيطة لصفقة السلاح الفرسي ( شركة أوداس). ما دفع الامير محمد بن سلمان للطلب من الدولة الفرنسية الغاء الوساطات والتعامل مباشرة بين المملكة والدولة الفرنسية.
الضغط على حزب الله وتاليا حليفه الجنرال ميشال عون في ملف الرئاسة اللبنانية.
ضغوطات يمارسها بعض ابناء عبد العزيز واحفاده من ابناء عم الامير عبد المحسن بن وليد من عبد العزيز الذي كان قد اوقف في مطار بيروت الدولي بتهمة محاولة تهريب المخدرات، ورغم الضغوط التي مارستها المملكة لاطلاق سراحه الا ان هذه الضغوط لم تفلح في اطلاق سراحه مما دفع بابناء عمومته لمزيد من الضغوطات.
سعي الامير محمد بن سلمان لكسب المزيد من المؤيدين له داخل العائلة ولذلك فانه يعتبر ان اطلاق سراح الامير المعتقل في بيروت من اولوياته.
تحضير بيئة مشحونة في لبنان ضد الحزب لتكون بمثابة العذر لعمل عسكري بري سعودية باتجاه الاراضي السورية. وبحسب المعلومات المتوافرة فان احد السيناريوهات المطروحة سعوديا هو دخول قوات برية من الجانب اللبناني. ولذلك نقلت هذه الاوساط ان المملكة تطلب من لبنان التوقيع على الانخراط في الحلف العربي مع ما يعني ذلك من توقيع غير شروط على تقديم كافة التسهيلات اللوجستية بما فيها تقديم اراضيها للحلف المذكور.
تشير بعض المعلومات من شخصيات مقربة من الامير محمد بن سلمان ان الاخير تلقى نصيحة من احد مستشاريه العسكريين الاميركيين بالسعي مع الحكومة اللبنانية لتوقيع اتفاقية امنية لبنانية سعودية تقضي ببناء قاعدة عسكرية لصالح التحالف في شمال لبنان.
وعلى أي حال فان الايام المقبلة كفيلة باظهار الاهداف والدوافع الحقيقية التي تقف حلف القرار السعودي، وفي هذه الاثناء سيبقى التعميم ساريا باستهداف الحزب وحلفائه على كل وسيلة اعلامية متاحة.
حمى الله لبنان وشعبه من الامراء والملوك، فان الملوك اذا دخلوا بلدا افسدوه..وكذلك يفعلون.
لمتابعة جاسر الدخيل على التويتر اضغط