خاص الموقع

محاربة الارهاب والانتقال السياسي والديني في السعودية

في 2016/03/23

جاسر الدخيل- خاص راصد الخليج-

اعادت الهجمات التي وقعت في العاصمة البلجيكية بروكسل ملف محاربة الارهاب الى الواجهة، فالهجمات التي وقعت في مكانين منفصلين بشكل متزامن شنهما تنظيم داعش فيما كان تنظيم القاعدة قد شن هجوما في الثالث عشر من الشهر الجاري على بعض الفرنسيين على احد شواطئ ساحل العاج الافريقية. كما ان هذه الهجمات جاءت بعد حوالي الاربعة اشهر من الهجمات التي شنها داعش في باريس.

من الواضح ان قدرات هذه التنظيمات الارهابية تتنامى لناحية اعمالهم «الدولية»، فالقدرة على شن هجمات بهذه الوتيرة المتصاعدة رغم كل الاجراءات الامنية المشددة تدلل على قدرات متنامية باضطراد ما يمكن ان يشكل تهديدا عالميا حقيقيا يهدد العالم باسره.

وعلى غرار ما يحص دائما عند كل عمل ارهابي تقف وراءه جماعات «سلفية جهادية» فان الانظار غالبا ما تتجه الى المملكة العربية السعودية بوصفها الحاضن والمروج الرئيس للفكر التكفيري الاقصائي، وبوصفها الراعية الاساسية لمعظم المراكز الاسلامية المنتشرة في اوروبا والعالم. ما يعيد طرح السؤال التالي : ما الذي يمكن فعله لمحاولة حصر تمدد هذه التنظيمات تمهيدا لوقف عملية انتاجها للارهابيين؟

في الواقع، صحيح ان اعادة النظر في ادارة المراكز الاسلامية في اوروبا والعالم قد يفيد الى حد ما لكنه بالطبع لن يوقف انتاج هذا الفكر بل لا بد من خطوات اخرى على المستوى الداخلي الاوروبي كتشريع بعض القوانين المتعلقة بالمنشورات وانواع الكتب التي تطبع وتوزع، لكن الاهم في محاربة الارهاب سيبقى في طبيعة التعامل الذي يتم مع المملكة السعودية بوصفها حاضنة ومروجة لهذا الفكر. اي يبقى الفيصل في التعامل العالمي مع ظاهرة الارهاب التكفيري هو على المستوى الخارجي وليس في الخطوات على المستوى الداخلي.

لقد بات امرا غير قابل للشك ان مصير العائلة الحاكمة في السعودية ترتبط بمصير الفكر الحاكم، هي العلاقة الجدلية التي قامت منذ القرن الثامن عشر بين محمد بن سعود ومحمد بن عبد الوهاب، ومنذ ذلك الحين فان التحالف لم يتزعزع وان شهدت المملكة مراحل مختلفة من الاصلاحات التي طالت النظام السياسي والنظام الديني، وقد كانت الاكتشافات النفطية الهائلة هي الدافع الاساس وراء اجراء هذه الاصلاحات المزدوجة: اما سياسيا فتطوير البنى التحتية للمملكة بما ينسجم وتلك الاكتشافات وبالتالي ضرورة مواكبته بتشريعات تتعلق بهيكلة الدولة، كان امرا لا بد منه، واما دينيا فان سير المملكة وفق الاكتشافات الجديدة وما سيتبعه ويستلزمه من تطورات تكنولوجية، يستلزم ادخال اصلاحات دينية في فكر العامة تحديدا والتي كانت تعتبر ان السكن في المنازل خارج الخيم وان استعمال الهاتف والكهرباء والسيارة وما الي ذلك يعد خروجا عن سيرة السلف الصالح. لكن هذه الاصلاحات كانت شكلية وبالمقدار الذي يلبي مطالب الحكومة السياسية وعلاقاتها الدولية الاقتصادية. فيما حافظ النظام السياسي على جوهره دون ادخال تعديلات عليه، اي بقي نظاما يعتمد الملكية المطلقة التي تضع مقدرات الدولة برمته في يد فئة محددة تتوارث البلاد والعباد ومقدراتهم وتهيمن على حاضرهم ومستقبلهم. وكذلك الامر بالنسبة للنظام الديني فان الاصلاحات كانت بالمقدار الذي يلبي مطالب الحكم السياسي وبالتالي حفظ التحالف التاريخي الذي كان يمكن ان يهتز ويتعرض لخضات بنيوية فيما لو لم تتجاوب السلطة الدينية مع هذه الاصلاحات. اذن كانت الاصلاحات الدينية هامشية لامست اعادة تعريف الاقتداء بالسلف الصالح فيما يخص اسلوب العيش.

تشكل المملكة تحالفات لمحاربة الارهاب، وتدخل في تحالفات اخرى لنفس الغاية. تصنف الآخرين بالارهاب، وتتهمهم بانهم يقفون خلف الارهاب. وهو سلوك متعجرف اذ كيف يمكن لطرف واحد ان يجمع بين محاربة الارهاب وانتاجه؟

يردد حكام المملكة عبارات تتعلق بحكام وحكومات عربية، فتحكم من يحق له ان يبقى ومن ينبغي ان يرحل والرئيس السوري بشار الاسد نموذجا لهذا الصلف السعودي. تحارب الحوثيين في اليمن فتكون نتائج الحرب تسليم «المناطق المحررة» لتنظيمي القاعدة وداعش، وتسعى لاسقاط النظام في سوريا فيما داعش والقاعدة هما الاكثر سيطرة واحتمالا لاستلام الارض في حال سقوط النظام، لكنها في نفس الوقت تشكل تحالفا تزعم انه لمحاربة الارهاب.

ان الحقيقة التي لا ريب فيها ولا شك ان اي محاولة لمحاربة الارهاب اذا أُريد بها استئصاله لا تحجيمه فانها ستكون محكومة بالفشل ما لم يجد المجتمع الدولي حلا لما يسمى مملكة آل سعود. وكل حرب للارهاب لا تضع هذه المملكة على رأس أهدافها سوف تكون حربا عبثية وغير منتجة.

لقد آن الأوان لاسترجاع شبه الجزيرة العربية لهويتها الحقيقية، هوية غير وهابية بل اسلامية سمحة، وهوية باسمها الحقيقي بعيد عن اغتصاب آل سعود للاسم الحقيقي لهذه الارض. من حق هذه الارض ان تستعيد اسمها. وعلى غرار ما تستعمله بعض الدول في الازمة السورية من حديث عن ما يسمى بالانتقال السياسي، وفي ظل الارهاب الذي يضرب العالم وهو معلوم الهوية والانتماء، فان العمل على : الانتقال السياسي والديني في مملكة آل سعود بات امرا ملحاً وضروريا ومصيرياً.