جاسر الدخيل- خاص راصد الخليج-
في جريدة الشرق الاوسط كتب عبد الرحمن الراشد مقالا بعنوان «اليمن بعد عام: انتصار أم هزيمة؟»، ورغم ان العنوان يشي بالسؤال الا انه يتضمن الاجابة بان ما فعلته المملكة وتحالفها قد حقق الانتصار هناك.
لم يجد الكاتب افضل من مقاربة الحرب على اليمن بنتائجها بما فعلته الولايات المتحدة الاميركية في افغانستان، وهذه المقاربة وان كانت غير صحيحة باعتبار ان مقياس نجاح الحروب وعدم نجاحها هو بما حققته من الاهداف التي اعلنتها عنوانا لحربها، الا ان مقاربة الامور مع الحرب على افغانستان كانت موفقة لكنها رمية من غير رامي.
ولكي اوضح المقصود من كونها رمية من غير رامي لا بد من اظهار مقاربة الكاتب للموضوع.
يقول الراشد :« لنقارن حرب اليمن بحرب أفغانستان. الولايات المتحدة دخلت الحرب هناك بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) عام ٬2001 أي منذ أكثر من أربعة عشر عاًما٬ وتستطيع أن تقول إنها دمرت منظومة «القاعدة»٬ وأقصت حكومة طالبان طوال هذه الفترة. بمقاييس أفغانستان٬ قوات التحالف العربي فعلت في سنة أكثر مما فعله الأميركيون في عقد ونصف العقد. حققت نتائج مماثلة٬ إضافة إلى أنها فعلًيا تسيطر على مساحات ومحافظات يمنية أكثر من خصومها. وهذا لا يعني أنها قضت على قوات الرئيس السابق علي صالح ولا ميليشيات الحوثي٬ كما أن تنظيم القاعدة المستوطن هناك٬ قبل الحرب بسنوات٬ لا يزال حّيا يهاجم قوات الشرعية والتحالف. وبعد مرور عام لا شك أن المكاسب السياسية والميدانية هي التي قلصت عدد الأصوات المعارضة٬ والمتشككة٬ ففي منطقتنا المنكوبة٬ من الطبيعي أن يكره أهلها الحروب».
هذه المغالطات الفادحة التي ارتكبها الكاتب توضح حجم التخبط في تبرير الدخول في مفاوضات كانت بالأساس قائمة قبل الحرب وكان بالإمكان تفادي الحرب وكل الدمار الذي لحق باليمن.
لكن لنعد الى المقارنة مع افغانستان. لقد قفز عبد الرحمن الراشد فوق كل الحقائق والوقائع، فطالبان تعود بقوة الى أفغانستان والقضية ستكون مسالة وقت قبل ان تحكم طالبان قبضتها على البلاد، اما تنظيم القاعدة التي قال الكاتب ان الولايات المتحدة قد دمرت منظومته فالواقع ان القاعدة خرجت من افغانستان لتنشر في سوريا واليمن والعراق ( الذي تحول فيما بعد الى داعش) ومصر وليبيا ومالي وغيرها من الدول.
وفي اليمن تحديدا فان الراشد موه على الحقائق عندما قال ان القاعدة مستوطن هناك قبل الحرب بسنوات، فصحيح انه كان هناك الا ان التحالف السعودي قد فتح له الطريق وجعله يتوسع ويسيطر على مناطق لم يكن يحلم ان يسيطر عليها.
فيما يتعلق بالأرض فان اختراع الانتصارات لا يفيد في شيء فالجميع يعلم كيف ان التحالف يعلن عن سيطرته على المنطقة الواحدة اكثر من مرة، وما حققه التحالف ليس الا سيطرة على مناطق هي بالأساس لك تكن هامة بالنسبة للجيش واللجان الشعبية فيما لا يزال الجيش يسيطر على باب المندب ويزيد من حزام الامان له، فيما التحالف السعودي واعوانه من اليمنيين يفقدون السيطرة على الكثير من المناطق في عاصمتهم المفترضة أي عدن لصالح القاعدة وداعش. فضلا عن توسع التنظيميين في مناطق اخرى في الجنوب والوسط.
ان مشروع التفاوض مع الحوثيين لم يكن واردا عند انطلاق الحرب، اذ لم تكن الحرب بالأساس لدفع الحوثيين الى طاولة المفاوضات التي كانوا عليها، وانما لإسقاطهم واستعادة السيطرة على العاصمة صنعاء ودفع الحوثيين الى معاقلهم الاساسية في الشمال، الا ان ذلك لم يحصل بل الذي حصل ان الجيش اليمني والحوثيين تغلغلوا في مناطق سعودية حدودية تعويضا عن المناطق التي خسروها في الجنوب والوسط وكانت آخرها ما حصل بعد الهجوم الاخير الذي شنه الجيش السعودي لاستعادة بلدة الربوعة الحدودية.
ان المنتصر ايها الكاتب الفذ لا يحتاج لان يفاوض من يصنفه على انه ارهابي كما فعلت المملكة مع الحوثيين، فانهم ارهابيون وفق تصنيف المملكة ومع ذلك تفاوضهم، ويكفي في هذه الاشارة دلالة على فشل هذه الحرب التي لم تنتج الا دمارا على الشعب اليمني وقتلا لأطفاله وشيوخه وتدميرا لمؤسساته وآثاره. فان كان هدف الحري على اليمن هو تدمير اليمن فنستطيع ان نقول انها نجحت ايما نجاح، وان كان الهدف من الحرب هو اسقاط الحوثيين وتركيع الشعب اليمني فان الحرب فشلت ايما فشل. كل ذلك ناهيك عن الخسائر الكبيرة التي مني بها الجيش السعودية في الارواح والمعدات، وها هو شعب المملكة يدفع ثمن هذه الحرب مزيدا من الضرائب والحرمان والتقشف.
بالطبع لم يكن متوقعا ان يقول عبد الرحمن الراشد ولا غيره من اقلام آل سعود ان الحرب قد فشلت، فان قولا كهذا لن يقبل به محمد بن سلمان ولن يرضى ان يصفه باقل من الخيانة التي ستكون نتيجته القتل تعزيرا بتهمة الخيانة، اذ المطلوب من الشعب التصفيق الدائم لإنجازات ولي ولي العهد الوهمية، وها هو ينتظر منهم التصفيق الحار على الوسام الذي سيتقلده من فرنسا عند زيارته المرتقبة لها، أسوة بمحمد بن نايف، تلك الاوسمة التي باتت تعطى «غب الطلب»، ولا ندري لعل هناك لائحة فرنسية باسعار الاوسمة، فلكل وسام ثمن لا يقدر على دفعه سوى الامراء.