جاسر الدخيل- خاص راصد الخليج-
منذ ان بدأ الحديث عن خطوات قد يأخذها الكونغرس الاميركي ضد المملكة العربية السعودية على خلفية اتهامها بهجمات الحادي عشر من ايلول سبتمبر عام 2001 والصحافة السعودية لم تهدأ. وبعيدا عن الموقف الرسمي الذي حذر من قيام المملكة ببيع اصول لها في الولايات المتحدة بقيمة 750 مليار دولار قبل ان تصل اي محكمة امريكية الى مرحلة الحجز على الاصول والايداعات، فان طريقة تعاطي اعلام المملكة يشي بنوع من الغباء المستشري، لا سيما تلك الكتابات التي استغربت توجيه اصابع الاتهام للمملكة.
من نماذج الكتابات هذه ما نشرته صحيفة عكاظ للكاتب «خلف الحربي» بعنوان «ماما امريكا المفترية». يقول الحربي بلغة استهزائية لا تخلو من تدليس على القارئ تارة ومن تحريف للوقائع تارة أخرى: « بعد 15 عاما من أحداث الحادي عشر من سبتمبر اكتشف أحبابنا الأمريكان فجأة أن السعودية هي المسؤولة عن هذه الجريمة الإرهابية التي غيرت وجه العالم، وهذا الاكتشاف العجيب يدفعنا لأن نطرح أسئلة في منتهى البراءة: لماذا إذن دمرت الولايات المتحدة أفغانستان الفقيرة حتى لم تبق فيها حجرا على حجر؟، ولماذا غزت العراق وأعادته ألف عام إلى الوراء؟ ولماذا تحالفت مع السعودية بالذات في حربها ضد الإرهاب واعتمدت عليها كثيرا في مطاردة تنظيم القاعدة؟.. وهل يمكن اعتبار مئات الآلاف من البشر الذين قتلوا في أفغانستان والعراق وباكستان وغيرها من الدول قد سقطوا سهوا في لحظة غضب أمريكية وأن ضمير ماما أمريكا قد استيقظ بعد أن غرق العالم الإسلامي حتى أذنيه في وحل الإرهاب والطائفية؟!.»
من الواضح لكل أحد ان هذه الاتهامات ليست جديدة، فالدعوة التي رفعها اهالي الضحايا تعود الى سنوات خلت، وبالتالي فان استغراب الحربي ليس بمحله والاكتشاف ليس جديدا. اما لماذا شنت امريكا الحرب على افغانستان ولماذا غزت العراق، فان الولايات المتحدة شانها شأن المملكة السعودية اي انها تستغل مثل هذه القضايا لفرض هيمنتها، وتنفيذ مشاريعها، لكن هذا الجمع بين غزو افغانستان والعراق بسلة واحدة هو خلط عجيب، لان غزو افغانستان كان على خلفية هذه الهجمات فيما غزو العراق كان على خلفية دعوى اسلحة الدمار الشامل.
اما غزو افغاستان فبسبب وجود تنظيم القاعدة هناك والذي تبنى هجمات نيويورك، وهو التنظيم نفسه الذي دعمته امريكا في الحرب على الجيش السوفياتي في افغانستان والمدعوم ماليا وعقائديا من المملكة السعودية. على ان القول ان امريكا تحالفت مع السعودية في الحرب على الارهاب كذبة فجة، فالقاصي والداني يعلم حجم الانفاق المالي الذي انفقته المملكة في اميركا واوروبا لتبييض صفحتها بعد هجمات ايلول، وقد وصل حجم الانفاق الى 20 مليار دولار. وهي نفس الحملة التي تقوم بها المملكة اليوم منذ هجمات باريس.
من المعلوم ان خمسة عشر رجلا من اصل تسعة عشر من المتورطين في هجمات نيويورك هم من السعوديين، كما انه غني عن القول ان الفكر الذي يحمله هؤلاء ومن هم على شاكلتهم من الارهابيين هو الفكر الوهابي، وهذا ليس ادعاء فارغا، ولا هو اتهام عشوائي نابع من حقد، هذه امور موثقة عند اهل الاختصاص ممن يعلم ما يحمله الفكر الوهابي من ضغينة، وما يدعو اليه من اقصاء، وما ينشره من كراهية، وما يغرسه في نفوس اتباعه من دعوة للعنف والقتل. ان افكار المنظرين الارهابيين هي نفسها افكار ابن تيمية، وان احكام القتل العشوائية والمتوحشة التي ينفذونها هي عينها التي تنفذ في المملكة تحت اسم الاسلام، وبدعوى اقامة الحدود، هم يقرأون من كتاب واحد، ويتبعون رأي واحد فارد، يقهرون الخصوم، ويقتلون على الشبهات، ويعتبرون حرية الرأي بدعة، وقول كلمة الحق خروجا عن طاعة ولي الامر اي الملك.
اما ما زعمه الكاتب من حرب شرسة بين المملكة والقاعدة، فهي حرب عندما وصل نشاط التنظيم الى ارض المملكة، اما عندما كان يقتل في العراق وافغانستان واليمن ومصر وغيرها فلم يكن يعني ذلك المملكة من قريب او بعيد. فحرب المملكة ليس على الارهاب، بل على ان يمارس الارهاب داخل المملكة، اما اذا بقي خارجها، موظفا لمصالحها، فلا ضير فيه، بل له كل الدعم والعطف، ماديا ومعنويا.
بمعزل عن ما ستؤول اليه الامور في امريكا لناحية اي قرار قد يصدر عن الكونغرس الاميركي، وهل سيستعمل الرئيس الاميركي الفيتو ام لا، فان الذي لا شك فيه ان مجرد وصول الامور الى هذا الحد في الداخل الاميركي دليل كاف على ان المملكة لم تعد في مأمن، ومن الصعب عليها ان تفلت من العقاب.
قد لا يقدم الكونغرس على أي خطوة، وقد يقدم ويصطدم بالفيتو الرئاسي، لكن ذلك سيفتح كوة قانونية كبيرة سيلجئ لها اهالي الضحايا لملاحقة « الحثالة الملكية» كما وصفتهم صحيفة «دايلي نيوز».