خاص الموقع

بيان الجيش الخليفيّ.. تهديد من ورق!

في 2016/04/26

خاص راصد الخليج- عبّاس البحرانيّ

«نمر من ورق»، مقولة شعبيّة معرّبة من اللغة الصينيّة، ثمّ اشتهرت في لغات أُخرى، ومعناها «من يبدو في الظاهر مخيفًا لكنّ حقيقته هزيلة جدًّا».

هذه المقولة تنطبق على بيان الجيش الخليفيّ  (نسبة إلى قبيلة آل خليفة الحاكمة في البحرين) ، الذي صدر يوم الإثنين 18 أبريل / نيسان 2016، ليبدو عند الوهلة الأولى شيئًا مخيفًا للشعب البحرانيّ، يهدف إلى زلزلة حراكه السلميّ، لما تضمّنه من مفردات التهديد والوعيد، والإعلان عن الاستعداد للتصدّي لمن وصفهم البيان بـ«المجموعات الإرهابيّة»، كما استعار البيان مفردة «الحزم»، على غرار «عاصفة الحزم» التي فشلت في حربها المدمّرة للحجر والبشر في اليمن، وكرّر الجيش أيضًا مفردة «الشرذمة»، التي سبق أن استخدمها قائده الأعلى حمد بن عيسى آل خليفة حينما وصف الشعب الثائر بوجه استبداده بأنّهم مجرد «شرذمة»، للتقليل من حجم الحراك الشعبيّ، وختم البيان المذكور بالإشارة إلى عزمه على ما أسماه «قطع أيادي الفتنة واجتثاث رؤوسها».

لكن في واقع الحال، هذا البيان وما تضمّنه حقيقةً، هزيل ولا قيمة له، وذلك لعدّة أسباب:

أوّلًا: صدوره على خلفيّة العمل الثوريّ الذي وقع في بلدة كرباباد – شمال العاصمة المنامة – وأدّى إلى مقتل مرتزق باكستانيّ يعمل في وزارة الداخليّة الخليفيّة، وإصابة آخرين بإصابات وصفت بالخطيرة، طبقًا لرواية الوزارة المعنيّة.

ثانيًا: أراد البيان أن يغطّي على الدافع الأساسيّ إلى القيام بالعمل الثوريّ، الذي جاء في سياق الدفاع المقدّس – كما يصفه الشباب الثوريّ في البحرين – عن الأرض والعرض والمقدّسات، حيث كانت إحدى الفتيات البحرينيّات قد كشفت أخيرًا عمّا تعرّضت له من انتهاك لعرضها وشرفها وكرامتها أثناء اعتقالها في السجون الخليفيّة، ما أدّى إلى موجة غضب عارمة في الشارع البحرانيّ، وتوالي ردود أفعال ثوريّة، تطالب بالدفاع المشروع عن الأعراض، وإن غلت التضحيات.

ثالثًا: كشف بيان الجيش الخليفيّ عن فشل وزارة الداخليّة الخليفيّة، وكافة الأجهزة الأمنيّة والاستخباريّة، في القضاء على ثورة شعب البحرين بعد خمسة أعوام ونيّف من انطلاقتها، وعجزهم عن محاصرتها وخنقها، بالرغم من الإمكانيّات الماديّة والبشريّة والتقنيّة الضخمة المتاحة لهم، ما يوحي بأنّ المهلة الزمنيّة المعطاة لوزارة الداخليّة كي تنجز مهمّة «القضاء على الثورة قضاءً مبرمًا» قد انتهت، وحان دور تدخّل الجيش بجحافل جنوده ودبّاباته وطائراته.

رابعًا: أراد الجيش الخليفيّ، من خلال بيانه المذكور، أن يتستّر على فشله المدوي في حرب اليمن تحت غطاء النظام السعوديّ، وأن يضخّ المعنويات بين جنوده المرتزقة، الذين سقطوا بين قتيل وجريح وأسير على أرض اليمن، بعد أن استبدل وحداته وجنوده أكثر من مرّة، كما أنّه لم تجدِ البهرجة الإعلاميّة لمشاركة أبناء حمد بن عيسى آل خليفة في مواقع، ادّعى بأنّها جبهات حرب في اليمن.

خامسًا: بالرغم من تكرار الحوادث المشابهة لحادثة بلدة كرباباد، فإنّ توقيت إصدار بيان الجيش لا يخلو من دلالات وإشارات محدّدة، فهو جاء عقيب الموقف لمنظّمة التعاون الإسلاميّ ومهاجمتها إيران وحزب الله ضمن الحملة السعوديّة المستعرّة والمجنونة، حيث أراد البيان أن يثبت وجود ما يسمّيه بـ«الإرهاب» في البحرين، وتدخّل إيرانيّ في شؤونها.

سادسًا: أراد البيان استباق لقاء أوباما بزعماء دول الخليج، لتبرير استمرار قمع الثورة في البحرين، وانتهاك حقوق الإنسان، والادّعاء أنّ حقيقة ما يجري في البحرين والمنطقة هو نتاج التدخّل الإيرانيّ والأطماع التوسّعيّة.

سابعًا: صاحب البيان حملة إعلاميّة صاخبة ومواقف ساخنة مؤيّدة لما جاء فيه، وداعمة لتدخّله السريع في قمع الثورة وسحقها، وتوجّت تلك المواقف بزيارة خاطفة قام بها حمد بن عيسى لمقرّ جيشه ليضخّ المزيد من الدعم «الفكاهيّ»، الأمر الذي يبدو أنّه رفع الحماس بين أعضاء المجلس النيابيّ الخليفيّ، فما كان لهم إلا تصعيد الموقف  «الهزليّ» إلى ذروته عبر إعلان الحرب على «ولاية الفقيه» و«حزب الله»!!

هذا وسبق أن تدخّل الجيش في سحق الثورة في بداية اندلاعها مدعومًا من الجيش السعوديّ، وارتكبا معًا أبشع الجرائم والتنكيل والقمع بحقّ شعب البحرين المسالم، ولكنّهما فشلا في منع الثورة عن استمرارها أو إخماد أنفاسها، فأعلنا الانسحاب الشكليّ ورفع حالة الطوارئ، ولكنّهما استمرّا في المشاركة بالقمع، مع القوّات الإماراتيّة، تحت غطاء وزارة الداخليّة، وهذا ما كشفه مقتل الضابط الإماراتيّ «طارق الشحي» أثناء مشاركته في قمع حراك الشعب عام 2014.

وما التهديد، مجدّدًا، بالتدخّل لقمع الثورة بعد أكثر من خمسة أعوام على التدخّل الأوّل، إلا تهديد من ورق وهزليّ، ويكشف عن خيبة النظام الخليفيّ، ومن ورائه النظام السعوديّ، بفشلهما الفاضح جدًّا في سحق الثورة، كما فشلا في حربهما على اليمن، وفي بقيّة ملفّات المنطقة، ولعلّهما هذه المرّة سيستمعان لنصيحة أوباما، بعدم جدوائيّة الحرب على إيران وحلفائها، بعدما تجرّعا كأس الهزيمة في أكثر من ساحة!