جاسر الدخيل-خاص راصد الخليج-
لم اتفاجأ عندما قرأت ما اطلق عليه اسم «رؤية السعودية 2030» فان المملكة لا يمكن رؤيتها من منظار من يعتقدون انهم يملكون الارض والبشر الا كمان بدت عليه في هذه الرؤية-الرؤيا.
وطالما ان الرؤية مقدمة من ولي ولي العهد محمد بن سلمان فمن الطبيعي ان تظهر بمظهر المنقذ للبلاد، والامل الطموح بالمستقبل، وان تواكب بهذا الحجم من الاقلام المادحة والشارحة والمتفائلة. لكن اذا ابتعدنا عن هذه الاعتبارات فان المراقب الموضوعي سيسجل جملة من الملاحظات التي لا يمكن اغفالها ولا يمكن فهم الرؤية دون الاخذ بعين الاعتبارات هذه الملاحظات:
ان الرؤية مليئة بالانشائيات والمفردات الفضفاضة المغرية للقارئ بما ينتظره من رغد العيش. ويكاد يشعر القارئ اثناء قراءة الرؤية انه امام كتاب تعليمي يتعلق بالادارة والتخطيط الاجتماعي والاقتصادي اكثر منها دراسة ورؤية تخطيطية لوطن يعيش جزء كبير من اهله تحت رحمة المتسلطين والجبارين.
ان الضجيج الذي صاحب هذه الرؤية اكبر بكثير من القيمة العملية لها باعتبار ان معظم الدول تملك رؤية مستقبلية للتحديات الاقتصادية والاجتماعية التي ستواجهها. فالكويت نشرت رؤيتها وكذلك البحرين والامارات والجزائر وتونس ومصر. فنشر رؤية مستقبلية ليست امرا سبقت به المملكة الدول العربية، ومع ذلك فان هذه الدول العربية صاحبة «الرؤية» فشلت في تحقيق ما كان ينبغي تحقيقة خلال الفترة الماضية من عمر رؤيتها. وهذا يؤكد القضية الاساس وهي ان العبرة في تحقيق وتنفيذ الرؤية وان تكون رؤية قابلة للتحقق لا مجرد ورقة من الانشائيات التي يراد منها جلب المدائح والثناء عليها.
من خلال النقطة الماضية نستطيع ان نقدر ان هذا الضجيج يراد منه التسويق لصاحب الرؤية، اي لولي ولي العهد محمد بن سلمان. ولا غرابة انه بدأ البعض يطلق عليه اسم الامير المجدد مقابل اسم عبد العزيز بصفته المؤسس. لا يمكن لاحد ان ينكر حجم الرصيد الكبير الذي حصده بن سلمان من هذه الوريقات الانشائية.
ان الخطير في هذه الرؤية، والبعض يسوق على انها من الميزات الهامة، انها تؤسس لشركات تشبه ارامكو، ان لم نقل انها تسعى لوسيع عمل ارامكو، لتخرج عن كونها شركة نفطية، الى كونه شركة «خاصة» استثمارية بكل القطاعات، لا سيما قطاع البناء الذي ينوي محمد بن سلمان وضع اليد عليه. وللتذكير فان شركة بن لادن هي من اكبر هذه الشركات وقد اوقفت عن العمل في مشروع توسعة الحرم المكي بعد حادثة الرافعة الشهيرة، وها هي اليوم يتم توقيف جميع خدماتها عن العمل في مطار الملك عبد العزيز الجديد في جدة من قبل مكتب العمل بدعوى عدم الالتزام ببرنامج حماية الأجور. ومع ملاحظة حجم مشاريع البناء التي تخطط له المملكة نفهم سبب السعي الحثيث من قبل بن سلمان للامساك بقطاع البناء واحتكار عقوده.
ان تعيين محمد بن سلمان رئيسا لمجلس الاقتصاد والتنيمة لم يكن وليد الصدفة فالاقتصاد عصب الدول لا سيما كالمملكة العربية السعودية ما اعطاه صلاحيات كبيرة اضافة الى كونه النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء ووزيرا للدفاع. ومن المعلوم ان مجلس الاقتصاد والتنمية يتمتع بصلاحيات كبيرة وواسعة.
وعلى أي حال، ان الضجة التي احاطت بالرؤية اكبر بكثير مما تحمله الرؤية، وهي ضجة ،كما قلت، قد رفعت من رصيد بن سلمان الى درجة دفعت بولي العهد محمد بن نايف الى محاولة توظيف الضجة حول الرؤية عبر احياءات تقلل من شأن بن سلمان. فقد غرد بن نايف عبر حسابه على تويتر بعد اقرار الرؤية قائلا : «اهنئ الوطن بإطلاق رؤية السعودية 2030 وأدعم عضيدي وأخي ويدي اليمنى محمد بن سلمان على هذه الرؤية الطموحة، حفظ الله ملكنا، وحفظ وطننا». ومن الواضح ان تعبيره بكلمة «يدي اليمنى» لا تخلو من دهاء ومكر وحط من شأن بن سلمان.
ما يمكن تلخيصه هنا ان بن سلمان بات يتصرف تصرف الملوك لا وليا لولي العهد ما يحتم القول ان بن سلمان في «رؤيته» يحاول القول لولي العهد محمد ين نايف: كش ملك.